تعلم كيف تدخر أموالك من أبسط مصروفاتك.. السر في الفكة
في ظل التحديات الاقتصادية التي يعيشها العالم، ومع الوقت الذي أصبح فيه الحديث عن أرقام الدولار وحجم الدين والموازنة، يغيب عن الكثيرين سؤال بسيط لكنه أقرب إلى الواقع الذي نعيشه كل يوم: "أين تذهب أموالنا اليومية؟"
بعيدًا عن الحديث حول المؤشرات الكبرى وحجم الديون والمشروعات القومية، هناك فكرة ذاتية تقدم استرشادًا للمواطنين، ليكون هناك اقتصاد آخر لا يظهر بقوة، لكنه في الحقيقة "اقتصاد الجيب".
فلوس بتطير من غير ما نحس
الموضوع هنا عن المواطن البسيط، الذي يعيش على إنفاق يومي بسيط وغير مؤثر، لكنه يكتشف في الواقع أنه ينزف جزءًا كبيرًا من دخله دون أن يشعر. مثال بسيط على ذلك: فنجان القهوة اليومي الذي يكلف حوالي 25 جنيهًا، لا يبدو عبئًا ماليًا، لكنه عند تجميعه آخر الشهر يصبح مبلغًا لا يستهان به، حوالي 750 جنيهًا، أي أن الإنفاق السنوي يصل إلى نحو 9,000 جنيه تقريبًا.

وينطبق الأمر نفسه على الطلبات المتكررة مثل التوصيل واستخدام التطبيقات، وغيرها من الاشتراكات الرقمية التي يتم خصمها شهريًا دون استخدام حقيقي. لتتجسد هنا قاعدة ذهبية: "مش بندفع كتير… بس بندفع كتير قوي".
الفكة تصدمك بدون ما تحس
أبسط مثال يعيشه المواطن ذو الدخل المتوسط هو إنفاق يومي "فكة" لا تتجاوز 30 جنيهًا، دون تخطيط أو وعي. عند حساب هذه الـ30 جنيهًا، نجد أنها تصل إلى 900 جنيه شهريًا، أي نحو 10,000 جنيه سنويًا.
هذا المبلغ البسيط في البداية، يصبح في نهايته قادرًا على إحداث فرق حقيقي في حياة صاحبه، سواء بسداد جزء من ديونه، أو الدخول في استثمار بسيط، أو تحسين مستوى المعيشة بشكل ملموس.

من الفرد إلى الاقتصاد القومي
لاحظنا في السابق أننا تحدثنا عن الفرد فقط، لكن في الحقيقة، يتحول الأمر إلى الاقتصاد القومي، خاصة عند تكرار ملايين المواطنين لنفس نمط الإنفاق العشوائي، لتتحول ما تُسمى بـ"الفكة" إلى مليارات الجنيهات ضمن الدورة الإنتاجية.
ويترتب على ذلك أثر تنموي حقيقي، فلو افترضنا أن 10% فقط من هذه الأموال يتم توجيهها نحو عوائد استثمارية وإدخارية، فإن النتائج تكون واضحة: سيولة أعلى داخل الجهاز المصرفي، زيادة في الاستثمار المحلي، وتوسع حقيقي في الشمول المالي، وهو ما ينعكس في النهاية على قوة الاقتصاد واستقراره.
الحل ليس التقشف
الحل لا يكمن في التقشف أو الحد من الإنفاق، بل في إعادة توجيه الإنفاق وتحويل الاستهلاك غير المخطط له، أي "الفكة"، إلى ادخار ذكي. يمكن تحقيق ذلك عبر وسائل آمنة مثل: المحافظ الإلكترونية، حسابات الادخار، أو صناديق استثمار صغيرة منخفضة المخاطر، بما يسمح بتراكم مبالغ قادرة على إحداث تغيير حقيقي مع مرور الوقت.
تعزيز الشمول المالي للحفاظ على الجيب
تماشيًا مع توجه الدولة في تعزيز الشمول المالي، تعمل البنوك على نشر الوعي باستخدام المحافظ الإلكترونية، ودعم صناديق الاستثمار الصغيرة، وإطلاق مبادرات تستهدف دمج فئات جديدة ضمن النظام المالي الرسمي.
بهذه الطريقة يصبح المواطن شريكًا أساسيًا في المنظومة الاقتصادية، وليس مجرد مستهلك، ليصبح الوعي المالي أداة تمكين حقيقية، وليس مجرد مصطلح اقتصادي نظري.