ماري وسارة وحب تملك البشر.. اللواء رأفت الشرقاوي يوجه رسالة هامة
وجه اللواء رأفت الشرقاوي مساعد وزير الداخلية الأسبق رسالة هامة للعالم قائلًا: ماذا لو نجحنا فى ذراعة شريحة فى رأس أبنائنا تمكنا من متابعتهم والتحكم في الأشياء التي يروها أو يسمعوها ، كأن نحجب عن أسماعهم وأعينهم الشتائم البذيئة ، ومشاهد العنف والإباحية . خشية تعرضهم لأى مخاطر أو أذى أو أن نفقدهم بلا رجعة عندما يضلوا الطريق ، ولم نتمكن من استعادتهم مرة أخرى بالرغم من أننا قمنا بتحرير المحاضر اللازمة ، واتخذت أجهزة الشرطة كافة مراحل النشر والتتبع، وطال البحث ولكن دون جدوى . ☐ مسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror) أنتجه تشارلي بروكر، والذي أنشأه وقام بتأليفه في البداية لقناة 4 البريطانية، ثم استلمته شبكة نتفليكس لإنتاجه وتوزيعه عالميًا. يعتبر مسلسل مختارات أنثولوجي بريطاني، وتتولى نتفليكس إنتاجه منذ بداية عرض الموسم الرابع. ☐ في الجزء الرابع من مسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror) حياة الأم "ماري" التي تقرر أن تحمي طفلتها "سارة" بالاشتراك في نظام جديد "Arkangel" يمكّن الآباء من تتبع أبنائهم عبر شريحة صغيرة تزرع في رأس الأطفال وترتبط بجهاز لوحي (Tablet) يمكن من خلاله معرفة مكان الطفل، وما الذي يراه والتحكم أيضا في الأشياء التي يراها أو يسمعها، كأن يحجب عن أسماعه الشتائم البذيئة، ويحجب عن عينيه مشاهد العنف والإباحية، الأمر الذي حوّل "ماري" من عين حماية إلى عين متلصصة تختبئ داخل جسد الطفلة وتتحكم فيه بدافع الأمومة. ☐ اعتدنا على نبوءات سوداء وقبيحة للمستقبل بفعل التكنولوجيا، وهذا هو الثيم الرئيس لمسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror)، لكن تبدو هذه الحلقة واقعية للغاية في مشاعرها ودوافعها، وهنا تكمن مواضع الحيرة. على من ستصب الطفلة غضبها عندما تكتشف أن الحياة غائبة عنها لأنها محتلة جسديا؟ وهل التكنولوجيا هذه المرة المُلام الوحيد؟ ☐ قبل أن تقرر "ماري" أن تخوض تجربة مراقبة "سارة"، يضعنا كاتب الحلقة "شارلي بروكير" في مشهد يثير كل المخاوف بداخل الأم وبداخلنا أيضا، كانت الأم تلاعب ابنتها في الحديقة، ثم فجأة اختفت الطفلة من أمام ناظريها وبدأ الجميع في رحلة بحث عن الصغيرة إلى أن وجدوها بعد عناء، هذا المشهد يضغط بقوة على مخاوف الأمومة، ويجعل خطوة مراقبة الطفلة نتيجة مقبولة ومنطقية إلى حدٍّ كبير، ويضعنا في مواجهة مع الأم التي ستتحوّل إلى الطرف الشرير في الحكاية. ☐ بات الخوف المتزايد والحاجة إلى السيطرة أمرين شائعين في ثقافتنا المعاصرة، أصبحنا محاطين بالطرق المتعرجة، ونطالع أينما حللنا كل المحاذير التي فُطِرنا على غض البصر عنها، العنف في الشوارع، الجنس المجاني في المواقع الإباحية، التنمر بين الأصدقاء في الواقع وعلى مواقع التواصل. كل الوجوه القبيحة تُطالعنا، وبات العالم محيطا مزعجا ومشوشا وما علينا إلا أن نغلق الأبواب في وجهه لنلوذ بالفرار وننجو بأنفسنا، لكن تجنب الحياة يمنعنا منها، وإذا كانت "سارة" انفصلت عن جسد أمها لتحيا، فإن انفصالها عن العالم الخارجي لا يُمكّنها من الحياة . ☐ يستدعي الخوف الزائد جذور القلق بداخلنا، وإن كان القلق كلمة معتادة في قاموس مشاعرنا اليومية فإنه واحد من أشهر الأمراض العصابية التي ترتبط جذورها بالشعور بالخطر. في بحثه وتعريفه للقلق يجد فرويد خيطا رابطا بين القلق والشعور بالخطر، وأن تنامي القلق يستحضر بداخلنا صدمات سابقة تجعلنا نتوقع صدمة جديدة قبل وقوعها، ونتصرف كما لو أن الصدمة وقعت بالفعل، في حين أن هناك متسعا من الوقت أمامنا لتجنب الصدمة من الأساس ، وهو ما حدث لماري على وجه التحديد التي تفترض طيلة الوقت أن ابنتها معرضة لخطر العالم من حولها. ☐ لم تفكر ماري في وهب طفلتها المزيد من الوقت من أجل تعلم مواجهة الخطر، ارتكنت إلى عجزها الأول عندما فشلت في العثور على "سارة" عندما تاهت منها في الحديقة ، ترسخ العجز بداخلها وأدركت أن محدوديتها ستعوقها عن حماية ابنتها، وأن التكنولوجيا هي اليد التي ستمنحها الحماية الأبدية. ☐ يضعنا قلق ماري أمام تعريف فرويد للخطر العصابي الذي يتكوّن من تهديدات غريزية لا خارجية، فالطفل يبكي عندما تتركه أمه لأن الخوف يتملّكه من أن رغباته التي تلبيها الأم لن تُشبع، والعكس أيضا يقع على الأم التي لو فقدت طفلها فإنها تخاف من فقدان غريزة الأمومة بداخلها، وهنا تدفعها دون وعي كل مخاوفها لحماية صغيرها، وحماية ذاتها كأم . ☐ يبدو الحديث عن مشاعر الأمومة من السطح أمرا سهلا، لكن النبش بالداخل يحتاج إلى مساحة أكبر من الحكي والبوح. ☐ عددا من الأمهات الشابات اللاتي لم تتجاوز أعمارهن منتصف الثلاثين ، كان لهم رأى فى قصة "ماري" وابنتها "سارة" وسألنا الأولى : لو أُتيحت لكِ خدمة "Arkangel" تلك، هل ستختارين استخدامها لتراقبي صغيرتك مثلما فعلت ماري؟ أجابت الأولى : " فكرة المراقبة جذابة لأي إنسان، الرغبة في معرفة كل شيء عمن نهتم بهم، لكنها فكرة مَرَضية دون شك. بالتأكيد خوفي على صغيرتي قد يدفعني لبعض التصرفات الحمائية المبالغ فيها، لكن كيف سأعرّف ابنتي على الحرية وحدودها إذا كنت أنا أول من يخترقها؟". ☐ تستطرد في حديثها الذي لا تغفل فيه تعقيدات مخاوف الأمومة والتي تراها أصعب من رعاية الصغار أنفسهم، وتضرب مثالا بأم كبر صغيرها ووقع في تجربة إدمان على المخدرات -رغم كل مجهودها في تربيته تربية سليمة وسوية- واستمر إدمانه حتى بدأ عالمه في الانهيار، بالتأكيد لو سألنا أمه لو عاد بها الزمن هل ستستخدم مثل هذه التقنية لتمنع ابنها من خوض هذه التجربة؟ أعتقد أنها لن ترفض، "أعتقد أننا لن نجد أُمًّا سترفض ذلك" ، وتكمل الحديث وهي تضع مساحة الصواب والخطأ نصب أعينها: "الأمومة صعبة صعوبة الحياة نفسها، لا يوجد فيها الصحيح المطلق ولا الخطأ المطلق. من الطبيعي أن نصيب ونخطئ في تربيتهم ونتعلم ونحاول التصحيح". ☐ الأم الثانية :- حدثناها عن "ماري" وسألناها السؤال السابق نفسه، فأجابت :لو أُتيحت لي فرصة مراقبة صغيرتي سأرفضها رفضا قاطعا!". وتغوص في مشاعرها أكثر، وتفتش عن مساحة الحماية والمراقبة بداخلها، وتقول : يرتبط مفهوم المراقبة بالعقاب، وتطبيق "Arkangel" يشبه في دلالته الصورة البصرية التي أرساها ميشيل فوكو للسجن "كأم أتمنى لو أحكم السيطرة على كل ما تراه ابنتي ، بل وما تشعر به، لا أريد أن يتسلل الحزن إلى قلبها ولا تقترب منها شرور العالم وإباحيته لتعبث ببراءتها، أريد أن أحميها من كل ما يزعج ابتسامتها الصافية، لكنه أمر مستحيل!". كانت صريحة في مشاعرها كأم، تثيرها فكرة المراقبة كما أثارت ماري، لكن القبض على الإرادة الحرة للأبناء هي العائق دوما ، وتكمل حديثها: "حماية طفلتي لا تكون أبدا بالتطفل على حياتها ومراقبتها والولوج داخل عقلها وعيونها، الأمر هنا يتجاوز فكرة الحماية، إنه بمنزلة قتل حقيقي لطفلتي" ، صمتت قليلا ثم تساءلت: "ما الحب؟! ما الحماية؟ الحماية لا تأتي بسجن أبنائنا بعيدا عن العالم، الحماية تكون بالحب أولا والحب ثانيا والصداقة ثالثا والدعم النفسي قبل المادي". ☐ لو وضعنا الأمومة أمام مرآة سرية كاشفة ، تستدعي طفولة الأم، وتفترض أن البنوّة بطريقة أو أخرى تُشكّل ملامح الأمومة مستقبلا وتُسطّر الحروف الأولى في تخيّل شكل الأمومة التي نحلم بها منذ الطفولة والصبا، وهو أمر يحتمل تفسيرا منطقيا لتوتر أمومتنا، فهل هذا الأمر صحيح؟ ☐ حالة ثالثة سألناها :- عن شبح الأمومة الذي يطارد الفتيات الصغيرات، وهل الصورة المثالية للأمومة المزروعة بداخلها تسببت في توتر أمومتها الآن؟ أجابت أن فكرة الأمومة لم تطاردها في طفولتها، كانت تفكر في المهنة التي ستسلك طريقها، لكن فكرة الزواج والأمومة لم تكن تشغل طفولتها، لكن ما حدث أننى حاولت إمتاع صغيرتى بما كان يمتعنى وأنا طفله ، لكن الابنة أبت أن تكون انعكاسا لطفولة الأم، تقول: "ابنتي مختلفة عني، ليست انعكاسا لطفولتي، عالمها كله مختلف وشخصيتها جديدة كعالمها، ابنتي ليست أنا وليست انعكاسا لي مهما رغبت في ذلك". ☐ يرتبط مفهوم المراقبة بالعقاب، وتطبيق "Arkangel" يشبه في دلالته الصورة البصرية التي أرساها ميشيل فوكو للسجن، فالسجن وفقا لفوكو هو قابلية رؤية ومراقبة مركزية تنتشر حولها الزنزانات كالخلايا في الجسد، أي إنه نظام بصري بالأساس، أن يكون السجين مراقبا دوما لكنه لا يرى السجان الذي يراقبه ولا يعرف أين موقعه منه، لكنه يعرف أنه طيلة الوقت مراقب، والرقابة سببها أنه معاقب على جُرم ما . في واحد من مشاهد الحلقة تلعب "ماري" مع ابنتها لعبة الغميضة، الابنة تبحث عن أمها بينما الأم تختبئ في الخزانة وبيدها الجهاز الذي تراقب به ابنتها، الابنة الصغيرة مُراقبة حتى في أكثر لحظاتها حميمية وسعادة؛ وهي تلعب مع أمها، والأم مستمتعة بفعل المراقبة كأن الصغيرة معاقبة ومسجونة في جسدها باسم الأمومة. ☐ تكبر "سارة" ويشتد عودها، ما زال الكثير من ملامح العالم غائبة عنها، والأم -التي لا تريد من الزمن أن يخدش ابنتها- تحضر لها كوب اللبن الصباحي كأن ابنتها المراهقة لم تُفطم بعد، وإذا قررت الفتاة الخروج إلى العالم ترمقها الأم بارتباك وتتمنى سرا لو أن أصفادا تُمكّنها من حصار أبدي لابنتها. تهرع الأم إلى الحاسوب، إلى ثقب عميق دسته في جسد "سارة" يراقبها ويقتفي أثرها ولا ينفذ إلى روحها المعلقة في متاهة الأم، إلى أن تنتفض الفتاة وتقرر أن تحطم الحاسوب وتنأى بنفسها بعيدا عن رحم أمها لتبدأ رحلتها الخاصة بعيدا عن سجن الأم، رحلة محكومة بالانفصال واللا عودة، رحلة من أجل الحياة. ☐ حفظ الله مصر وشعبها وقائدها وجيشها ورجال امنها وكافة المخلصين من ابناء هذا الوطن وجنبها شر الفتن والاحقاد والشائعات والضغائن والحروب ، اللهم إنى استودعك مصر وأهلها أمنها وأمانها ، ليلها ونهارها ، أرضها وسمائها ، فاحفظها ربى يا من لا تضيع عنده الودائع .