من بحيرة ناصر إلى الدلتا.. حقيقة ظهور التماسيح في النيل
لم تعد حوادث ظهور التماسيح في نهر النيل والمجاري المائية مجرد وقائع فردية، بعدما تكررت خلال الفترة الأخيرة في أكثر من محافظة، مثيرة حالة من القلق بين المواطنين، خاصة مع وصولها إلى مناطق سكنية بعيدة تمامًا عن البيئات الطبيعية لتلك الكائنات.
هذا التكرار أعاد طرح تساؤلات واسعة حول مصادر هذه التماسيح وكيفية وصولها إلى الترع والمصارف، في ظل تحذيرات متزايدة من خطورة التعامل غير المسؤول مع الحيوانات البرية المفترسة.
تمساح الزوامل يُثير الجدل
وفي هذا السياق، جاءت واقعة تمساح الزوامل لتجدد الجدل، بعدما شهدت قرية الزوامل التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، خلال الأيام الماضية، ظهور تمساح داخل أحد المصارف المائية، ما تسبب في حالة من الذعر بين الأهالي.
وتدخلت الجهات المعنية سريعًا وتمكنت من السيطرة عليه دون وقوع إصابات، إلا أن الحادثة أعادت إلى الواجهة المخاوف المرتبطة بتكرار هذه الظاهرة، وأسبابها الحقيقية.
هلال: وجود التماسيح في الدلتا حالة شاذة وخارج بيئتها الطبيعية
وفي تعليق على الواقعة، أوضح الدكتور إيهاب هلال، الباحث بمعهد بحوث الصحة الحيوانية، أن ظهور تمساح في مصرف مائي داخل نطاق سكني يُعد أمرًا غير طبيعي على الإطلاق، نظرًا لابتعاد هذه المناطق عن الموائل الأصلية التي تعيش فيها التماسيح. وأكد أن اقتناء الحيوانات البرية الخطرة داخل المنازل أو الأماكن غير المخصصة لها يمثل سلوكًا خاطئًا قد يعرّض المواطنين لمخاطر جسيمة.
ورجّح هلال، في تصريحات تليفزيونية، أن يكون التمساح قد وصل إلى المصرف بعد أن قام أحد الأشخاص بتربيته منذ صغره، ثم تخلّى عنه لاحقًا مع زيادة حجمه وصعوبة السيطرة عليه، مشددًا على أن التخلص من الحيوانات المفترسة بإلقائها في المجاري المائية تصرف غير مسؤول ولا يُعد حلًا آمنًا، مضيفًا أن تحرّك التماسيح خلال هذا التوقيت من العام قد يرتبط بعوامل بيئية، إلا أن ذلك يكون طبيعيًا فقط داخل بيئتها الأصلية وليس في مناطق مأهولة.
وأشار إلى أن التماسيح النيلية تنتشر بطبيعتها في مناطق أقصى جنوب البلاد، بينما يُعد ظهورها في دلتا النيل حالة شاذة، لافتًا إلى أن التمساح الذي جرى ضبطه كان صغير الحجم وسهل السيطرة عليه، ولا يمثل خطرًا حقيقيًا على الأهالي، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة الالتزام بالقوانين التي تحظر اقتناء التماسيح خارج موائلها الطبيعية حفاظًا على السلامة العامة والتوازن البيئي.
شراقي: انتقال التماسيح من بحيرة ناصر إلى النيل مستحيل بسبب السد العالي
من جانبه، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، إن بحيرة ناصر تضم أعدادًا كبيرة من التماسيح قد تصل إلى عشرات الآلاف، موضحًا أن انتقال هذه الكائنات من البحيرة إلى نهر النيل أمر غير ممكن بسبب طبيعة منظومة السد العالي.
وأوضح أن المياه لا تمر إلى النيل إلا عبر بوابات وتوربينات السد، حيث تسقط من ارتفاعات كبيرة قبل وصولها إلى خزان أسوان، ثم تمر مرة أخرى عبر سد أسوان القديم، ما يجعل عبور التماسيح إلى مجرى النهر أمرًا مستحيلًا.
وأضاف شراقي، أن التماسيح كانت موجودة سابقًا في نهر النيل، لكنها اختفت من محافظات الجمهورية عقب إنشاء السد العالي، وأصبح وجودها حاليًا مقتصرًا على بحيرة ناصر فقط، مشيرًا إلى أن التمساح الواحد يستهلك يوميًا كميات كبيرة من الأسماك تتراوح بين 10 و20 كيلوجرامًا، وهو ما يجعله غير مناسب للعيش خارج بيئته الطبيعية.
وأوضح، أنه من حين لآخر قد يتم رصد تماسيح صغيرة في بعض الترع أو المصارف أو حتى في مناطق ساحلية، كما حدث مؤخرًا في الشرقية أو بالساحل الشمالي، رغم أن التماسيح لا تعيش في المياه المالحة، مؤكدًا أن السبب الرئيسي وراء هذه الوقائع يعود إلى قيام بعض الأفراد بشراء تماسيح صغيرة لتربيتها داخل المنازل، ثم التخلص منها سرًا في أقرب مجرى مائي بعد أن تتحول إلى عبء غذائي وخطر حقيقي، خاصة أن تربية الحيوانات المفترسة محظورة قانونًا