بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

بطريرك الكنيسة الكاثوليكية يحتفل بعيد الميلاد المجيد

الأنبا ابراهيم اسحق
الأنبا ابراهيم اسحق أثناء عظة الميلاد المجيد

احتفل البطريرك إبراهيم إسحق بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك، اليوم الأربعاء بعيد الميلاد المجيد وسط جموع من الشعب الكاثوليكي .

 

وقال الانبا ابراهيم اسحق في عظة عيد الميلاد المجيد أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، بفرح وتهليل أهنئكم جميعًا بعيد ميلاد الرب يسوع. في هذه الليلة المقدسة، لنركض مع الرعاة. لقد أخبرهم الملاك بعلامة بسيطة ومدهشة في آنٍ واحد: "تجدون طفلاً مقمطًا". وحين وصلوا ماذا وجدوا؟ لم يجدوا طفلاً وحيدًا منعزلاً، ولا ملكًا على عرشٍ من ذهب.
لقد وجدوا "عائلة": وجدوا مريم، ويوسف، والطفل.


واشار البطريرك الي التأمل بالميلاد المجيد ورؤية  المشهد من خلال ثلاث "كلمات" يهمس بها الطفل يسوع لقلوبنا الليلة: اللقاء، الجرح، والشفاء.


أولاً: "اللقاء" العائلة هي "مكان اللقاء بالله"

إلم تكن العلامة الوحيدة هى "الطفل المقمط" بل العلامة الكاملة هى : الطفل في  احضان العائلة" في رؤية العائلة (مريم ويوسف والطفل). إننا نؤمن أن سرّ التجسّد العظيم هو سر شركة وعلاقة. لم يشأ الله أن يخلّص العالم "من فوق"، بتعالٍ أو  عظمة. بل اختار الطريق الأكثر تواضعًا: اختار أن يولد طفلاً في حضن أم وحماية
أب. هذا يخبرنا بشيء عميق: الله لا يعلن عن نفسه في العزلة، بل في "الشركة"، في  دفء العلاقات الإنسانية. إن أعمق حقيقة في وجودنا البشري
 

فكلما خرجنا من ذواتنا لنحب الآخر، أصبحنا "بشراً واقتربنا من صورة الله. عائلة الناصرة تقول لنا اليوم: إن الله يحب أن يسكن وسط روابطنا العائلية، وسط صخب حياتنا اليومية.

ثانياً: "الجرح"

لا تسمحوا لـ"المُفرِّق" يهدم وحدتكم
نعلم، وبواقعية شديدة، أن حياتنا العائلية ليست دائمًا مغارة هادئة. هناك عدو خفيّ يتربص بنا، يسميه الكتاب المقدس الشيطان، ”Diabolos“، أي ”المُفرِّق“ أو ”الذي يقسّم“. عمله الخبيث هو تمزيق نسيج المحبّة. هو الذي يجعلنا نركز على الشكليات وننسى "الجوهر". يجعلنا نقلق بشأن المال أكثر من قلقنا بشأن غياب الحوار بيننا ومع أبنائنا، أو برودة المشاعر بين الزوجين.

واضاف إنّ الخطيئة ليست مجرد مخالفة قانون؛ إنّها جرح في العلاقة. فالمُفرِّق يزرع الشك، ويغذي الغضب، ويستبدل 
لغة "الحنان" بلغة "الاتهام". 

وحين نترك الشمس تغيب على غضبنا، وحين تحلّ الأنانية محلّ التضحية، فإنّنا نغلق الباب في وجه الطفل يسوع. إن الانقسام في البيت قد يكون بداية الانقسام في العالم؛ واذا كانت الحروب الكبيرة .
وتبدأ من حرب داخل بيوتنا، فإن الصمود الحقيقي يبدأ ب"شجعة المحبة" التي تختار التضحية على الأنانية، وتختار لغة الحنان على الاتهام. 

إن السلام الحقيقي يجب أن يبدأ من المغفرة والمحبة داخل مغارة عائلتنا. هذه المغفرة ليست مجرد علاج داخلي، بل هي القوة الدافعية التي تؤهلنا لنشر السلام والمصالحة في مجتمعنا وعالمنا المضطرب.

ثالثاً: "الشفاء": العائلة كنيسة بيتية (مدرسة محبّة)

وسط عالم يحاول إعادة تعريف كلّ شيء، ووسط تيارات تضرب مفهوم الأسرة، يقف القديس يوحنا بولس الثاني ليسألنا: "أيتها العائلة، من أنتِ؟". اليوم، يجب أن  تجيب كلّ عائلة مسيحية بجرأة وشجاعة: "أنا كنيسة بيتية! أنا مدرسة المغفرة! أنا المكان الذي يُقبَل فيه الإنسان كما هو".

وفي هذا الطريق، نتعلّم سرًّا مهمًّا لحياة العائلة: ألّا يكون هناك صراع بين الكرامة والمحبّة. فالمحبّة الحقيقية تحفظ كرامة الآخر، والكرامة بدورها لا يجب أن تبعدنا عن المحبّة أو تكسرها. حين نحترم بعضنا ونحبّ بعضنا في آنٍ واحد، يثبت السلام في البيت، ويشعر كلّ واحد بأنّه محبوب ومكرَّم معًا.

 وبهذا، تصبح عائلتنا "ورشة سلام" حقيقية، حيث كل عمل محبة، وكل حوار صادق، وكل تضحية صغيرة، هو تدريب عملي على بناء السلام العالمي الذي نفتقده. إن العائلة هي مدرسه المحبة التي تعرف كيف تستخدم الكلمات السحرية، التى ذكرها المتنيح قداسة البابا فرنسيس: "من فضلك" (احترام)، "شكرًا" (امتنان)، و" سامحني" (توبة).

نداء إلى الرجاء والفرح:

واضاف بطريرك الكنيسة الكاثوليكية أيتها العائلات إنّ بيتكم مدعو ليكون "مغارة حيّة" يولد فيها يسوع، كلّما غفرتم بعضكم لبعضكم، كلّما اجتمعتم حول المائدة بابتسامة، وكلّما احتضنتم ضعف بعضكم البعض. هذه المغارة الحية، بعمق سلامها، تتحول إلى خلية نور تضيء محيطها وتبدد ظلام اليأس في العالم.

أيّها الآباء والأمهات، أنتم حراس الحياة، كونوا "يوسف ومريم" لأبنائكم، احموهم بالحنان لا بالقسوة. وأنتم أيّها الأبناء، كونوا النور والفرح في بيوتكم كما كان يسوع. دوركم ليس مجرد الامتثال، بل مشاركة فرح الميلاد هذا في كل مكان تذهبون إليه، لتكونوا شهود الرجاء الحي للأجيال القادمة.

ولد يسوع في مذود فقير لكي يخبرنا أنّه ليس هناك مكان ”حقير“ أو ”مرذول“ يعجز نور الله عن الوصول إليه. كذلك لا توجد عائلة مهما كان ضعفها يعجز الله عن 
شفائها متى فتحت له الباب ولو قليلًا. فإلى كلّ عائلة مجروحة، إلى كل عائلة تعاني من الانقسام، أقول: لا تيأسوا ولا تفقدوا الرجاء، ”فالرب قريب من منكسري القلوب 
ويخلّص منسحقي الروح“ (مزمور ٣٤: ١٨).

لا تحتاج الكنيسة والعالم إلى نظريات، بل تحتاج إليكم، إلى عائلات تشهد بأن الحب أقوى من الموت. دعونا نضع الليلة هموم عائلاتنا في المذود، ونصلّي معًا: "يا طفل بيت لحم، يا من اخترتَ عائلة لتكون مسكنك،انظر بحنان إلى بيوتنا. اشفِ جراحنا، ووحد قلوبنا. علّمنا أن نقول 'آسف' وأن نقول 'أحبك' . اجعل من بيوتنا منارات سلام، وكنائس صغيرة تفوح منها رائحة الإنجيل. لك المجد يا ملك السلام. آمين".

الخاتمة:

متّحدين مع قداسة البابا لاون الرابع عشر وأصحاب الغبطة بطاركة الشرق، نرفع صلاتنا: مـن أجل السلام فى البلاد التي تعاني ويلات الحرب والدمار والأزمات.

نصلّي من أجل العائلة في كل مكان، شاكرين الرب على العائلات المتحدة والمتحابة، طالبين لها نعمة الاستمرار والمثابرة، كما نصلي من أجل العائلات التى تعاني أزمات الانقسام والانفصال وخاصة من أجل الأطفال ضحايا هذا الانفصال.

نصلّي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل سيادة رئيس الجمهوريّة عبد الفتاح السيسي وكلّ معاونيه، سائلين الرب أن يلهمهم الحكمة والتدبير الحسن لمواجهة التحديات المحلية والأزمات الدوليّة.

"بارك يارب عائلتنا في يوم ميلادك، وساعدنا على أن نرشد أولادنا إليك. امنحنا النور والقوة، والشجاعة عندما تصبح الحياة صعبة. دع روحك يملأنا بالمحبة والسلام خلال احتفالنا بميلادك"، لكي نتمكّن من مساعدة أولادنا على محبّتك كلّ يوم من حياتهم.

يا إخوتي واخواتي، لنعد إلى بيوتنا الليلة ليس فقط كمتلقين لبركة الميلاد، بل كرسل فرح وصناع سلام. فلنحمل سلام مغارة بيت لحم إلى شوارعنا زعالمنا، ولنجعل من المغفرة داخل بيوتنا شعلة أمل لا تنطفئ، شاهدين للعالم بأن الحب أقوى من الموت. "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة." وكلّ عامّ وحضراتكم بخير!. 

تم نسخ الرابط