بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

العذراء «هيباتيا».. «إسكندرانية» قتلها مسيحيو مصر وخلدها الغرب

بلدنا اليوم
كتب : هاجر فوزي

«الخُرافات يجب أنا تُدرس كخُرافات، الأساطير كأساطير، المُعجزات كخيالات شعرية، تقديم الخرافات على إنها حقائق هو شيء فظيع، لأن عقل الطفل يقبلها ويصدقها، وفقط بعد ألم عظيم و رُبما مأساة يمكنه أن يتخلص منها»، إحدى مقولات عالمات الفلك في العصر الروماني بمصر.

 

في البداية.. من هي هيباتيا؟

 

فتاة تحمل اسمًا ذو طابع يوناني، تأثرت بالجو الساحلي والشاعرية  نظرًا لولادتها في عروس البحر المتوسط، وهي ابنه لأب عالم في الرياضيات والفلك، يعد من أبرز أعلام الإسكندرية ومكتبتها في عصره، وهو«ثيون الإسكندري»، الذي أثر وجوده في تكوين شخصيتها، ودرس لها علوم الرياضيات، حتى أتسعت اهتمامتها وشملت صور أخرى للفلسفة.

هنا في الإسكندرية، بدأت هيباتيا دراسة علوم الرياضة والفلك، حتى تحولت إلى التدريس في عمر صغير جدًا لا يتعدى الخمسة وعشرون عامًا، وأحبت العلم لدرجة أنها خاضت مجالات كثيرة فيه.

على الرغم من الشائعات التي خرجت عن جثمان هيباتيا الطاهر، حول زواجها من «اوريستس» حاكم الامبروطورية الرومانية في مصر، الإ إن جميع الدراسات تثبت العكس، وأنها ماتت عذراء.

 

رحلتها من الفلسفة والعلم لإله الحكمة الإغريقي

وصفها البعض بـ«منيرفا»، في إشارة إلى إله الحكمة عند الإغريق، حتى أنها تميزت في شرح الفلسفة ولم تكتف بذلك، فهي تعتبر «أمًا» لعلوم الطبيعة الحديثة، وأول عالمة رياضيات في تاريخ البشرية، عقبتها «ماريا أنيزي» في عصر النهضة.

 

تأثرت هيباتيا بـ«أفلاطون وأرسطو و بطليموس»، وأنتمت إلى المدرسة الأفلاطونية الجديدة، ما أهلها إلى شرح دروسًا في علم الفلسفة، إلا أنها لم تكن على هيئة حلقات علم رتيبة، ولكن بمثابة حلقات للتفكير والأسئلة والتطرق إلى كل ما ليس "مألوفا"، بمعنى أدق الخروج عن نطاق «الصندوق» بعلقهم الواعي.

وعرفت طالبي العلم على رموز الفلاسفة من خلاها؛ حتى أن أحد تلاميذها يدعى «سينوسيوس» والذى أصبح قسيسًا فى ليبيا فيما بعد, مدح هيباتيا فى خطابات أرسلها إلى أخيه, ومِن ضمن ما قاله:

«لم يبقى لأثينا غير أسماء البلاد المشهورة, فاليوم تلقت مصر وصانت الحكمة النافعة مِن هيباتيا, قديماً كانت أثينا موطن الحكمة, أما اليوم فتجار العسل مصدر فخارها».

 

ومن جانب آخر، تحدث عنها المؤرخ «سقراط» في كتابه «تاريخ الكنسية» قائلاً: «عاشت امرأه في الإسكندرية تدعى هيباتيا، وهي ابنه الفيلسوف ثيون، وكانت بارعه في تحصيل كُل العلوم المُعاصرة، ما جعلها تتفوق على كُل الفلاسفة المعاصرين لها، لأنها قدمت تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية، خاصة فسلفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كُل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوى الظهور أمام العامة، رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة و حكامها، دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها عن سواها، والذين أكسبها أحترامهم وتقدير الجميع لها، وكان ولى المدينة أورستوس في مقدمة هؤلاء الذين كانوا يكنون لها عظيم الإحترام».

 

معروف عن «هيباتيا» إنها عالمة رياضيات وفلك في الأصل، وانتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وأشارت بعض الدلائل إلى أنها اخترعت الإسطرلاب المستوى، والهيدروميتر، والهيدروسكوب،  بالإشتراك مع تلميذها «سيونيسيوس» الذى اصبح زميلها فيما بعد، وظهرت إسهاماتها في التعليق على كتاب أبولونيوس المسمى بالقطوع المخروطية في الهندسة، وسلسلة أرثماتيكا لـ(ديوفانتوس السكندري)، والتي تعرض مجموعة من النظريات الحسابية على هيئة العديد من الكتب، بالإضافة إلى تنقيح تعليقات والدتها على كتاب المجسطي، ليصبح الجداول الفلكية الخاصة بها.

 

 من عزازيل لـ AGORA.. هيباتيا في عيون الفن

قد يبدو منصفًا أن يعود الفضل في نقل إرث هيباتيا للمجمتع الحديث إلى الفنون والروايات العالمية، حيث يظهر ذلك في ثلاثة أعمال أثنتين منهما  تمت ترجمتهما، والثالثة إنتاج من هوليود.

الأعمال التي تمت ترجمتها هي رواية «هيباتيا … والحب الذى كان» للمؤلف داود روفائيل خشبة، وكتبها بالإنجليزية، وترجمها سحر توفيق إلى اللغة العربية، وأيضًا أبرز الروائي «يوسف زيدان» دورها في رواية عزازيل، وهي ترجمة لمجموعة لفائف مكتوبة باللغة السريانية، كتبها الراهب «هيبا» ذكر فيها مشهد وفاة هيباتيا المؤثر.

ولم يقتصر الفن عند الروايات فقط، فعرض لها فيلم خاص بعنوان «آغورا»،  يحكي قصة حياة هيباتيا بين الفلسفة والعلوم ومواجهة المجتمع الذكوري المتشدد دينيًا حينها، الفيلم من بطولة راشيل وايز وماكس مينغيلا، ومن إخراج المخرج التشيلي الإسباني أليخاندرو آمينابار، الذي شارك في كتابته إضافة إلى ميتيو جيل، وتم عرضه خارج المسابقة الرسمية لدورة 2009 لمهرجان كان السينمائي.

 

مؤامرة البابا واستشهاد ووصية.. نهاية هيباتيا

انشغلت هيباتيا بالعلم حتى إنها تجاهلت المؤامرة التي كانت تُحاك ضدها في كنسية قيصر بالإسكندرية، وفي يوم كانت عائدة من إحدى ندواتها عقب خلافها مع البابا كيرلس الأول في الموسيون متجهة إلى بيتها ، حينما أمر الكاهن بطرس المسيحيين بإنتزاعها من مركبتها، وجرُّوها على الأرض من شعرها حتى كنيسة قيصر بالإسكندرية، وهناك قذفوها بالحجارة حتى ماتت، ثم بدأت جموع المسيحيين بتقطيع جسدها والتمثيل به مستخدمين قطع الفخَّار الحادة، وبعد ذلك قاموا بحرق ما تبقى من جسدها ووزعوا الرماد في أنحاء المدينة، معللين ذلك «بإنهم قتلوا رمز الكفر ورمز الديانات القديمة التي تخالف المسيحية».

«هيباتيا» كتبت كأولى شهيدات الحكمة والفلسفة في التاريخ الإنساني في إحدى ليالي عام 414 ميلاديًا، تاركة خلفها وصية لمن يخشى أو يحارب التفكير قائلة: «حافظ على حقك فى التفكير فحتى التفكير الخاطىء، أفضل من أن لا تفكر على الإطلاق».

تم نسخ الرابط