الموت مرّ من هنا.. المرضى يرافقون الإيدز في المنيرة: «خليها على الله»
العاشرة صباحّا الحركة تسير بشكل طبيعي بداخل استقبال مستشفى المنيرة العام، لاشيئ مختلف على غير العادة، وكأنّ هذا المكان لم يشهد أحداث كانت محل قلق وترقب من الجميع في الـ48 ساعة الماضية، عجوز يتكئ على عصاه في انتظار دوره أمام عيادة العظام، وآخر في انتظار الدخول لعيادة الصدرية، وأم تحمل ابنها صاحب العشر سنوات أمام عيادة الباطنة، لم يبدوا الخوف أو القلق على وجوههم، وكأنّهم لا يعلمون أنّ الموت قدّ مرّ من هنا قبل ساعات.
بجوار إحدى جدران قسم الاستقبال، وقف يحمل بيده أشعة منتظرّا دوره في قائمة الكشف، نحيف الجسد ملامح بدا عليها المرض في الخمسين من عمره، كان يستند على الحائط وكأنّه يرمي هموم حياته بالكامل عليه، في نفس مكانه وقبل ساعات كان يستند شخص آخر لكنّ الآخير لم يكن يرمي همومّا، بل كان يترك آثار الموت.
عم محمد «إسم مستعار» جاء إلى المستشفى في التاسعة صباحّا، فالآلام التي شعر بها طوال الليل جعلته يسرع مبكرّا لمعرفة أسبابها، ولأنّ المنيرة كانت هي الأقرب بالنسبة له فقررّ اللجوء إليها، وأنّها لم تكن المرة الأولى التي يأتي فيها، قاطعنا حديثه بسؤاله عن عدم خوفه من الإصابة بالإيدز في المستشفى، خاصة بعد الواقعة الآخيرة، إلّا أنّ المفاجأة الكبرى أنّ العجوز لم يسمع شيئّا عن تلك الواقعة، إلّا من خلالنا، لكنّه عاد بأذهانه قليلّا ليتذكر أنّه فور دخوله القسم سمع البعض يتهامسون حول شخص سببّ الهلع في المستشفي أول أمس، لكن ألمه الشديد جعله يسرع لجلب تذكرة الكشف والعرض على الطبيب دون أن يسأل أو يهتم بما حدث.
الغريب أنّه وبالرغم من إخبارنا لعم محمد «إسم مستعار» بما حدث وبخطورة الأمر، فمن الممكن حال إصابته بجرح معين ولامس الأرض التي كما أخبرنا البعض أنّها لم تنظف جيدّا من دماء المريض، أن تنتقل إليه العدوى، لكن العجوز استمع إلينا متبسمّا وكأننا لم نتحدّث معه عن عدوى أو مرض قاتل، فا كتفى بقوله «خليها على الله».
جلست السيدة الثلاثينية تحتضن طفلها الصغير تنتظر دورها للدخول إلى الطبيب، تلك التي تعيش بالقرب من المستشفى سمعت من جيرانها ماحدث لكنّها لم تهتم، في البداية تملّك القلق من قلبها خوفا على صغيرها من المرض، خاصة وأنّها سمعت حديث البعض عن هذا المرض القاتل والذي يسمى بالإيدز، وقررت أنّها سوف تحترس في خطواتها أثناء التنقل في المستشفى لكن وبالرغم من قلقها وخوفها لكن لا بديل أمامها سوى مستشفى المنيره لكونها تقع بالقرب من منزلها تيسيرّا عليها وعلى صغيرها، وأنهت حيثها «اللي ربنا كاتبهولنا هنشوفه».
أمام الباب جلس على كرسي خشبي متهالك يرتدي زي حراس الأمن، بجسد ضخم وشعر أبيض، كان يتجمع حوله البعض وبصوت مرتفع قوي كان يخبرهم عن اتجاههم، فور اقترابنا منه وبسؤاله عن قسم الحروق أخبرنا بأننّا نريد معرفة ماحدث ليلة أول أمس، مع الشخص المريض بالإيدز، فذكر التفاصيل التي تداولها الجميع.
ما أثار غرابة حارس الأمن أنّه بعد ساعات قليلة من الواقعة وبدون اتخاذ التدابير اللازمة والوقاية، استقبلت المستشفى المرضى بشكل طبيعي بخلاف مرضى قسم الحروق، والمحتجز فيه المريض برفقته زوجته، حيث أخلت المستشفى القسم بالكامل، لدرجة أنّ هناك مرضى حروق حالتهم مازالت لا تسمح لهم بالخروج من المستشفى، لكن الخوف والقلق جعلهم يهرولون خارجّا لاستكمال العلاج في البيت خوفّا من العدوى، ليحتل مريض الإيدز القسم بمفرده هو وزوجته.
وأثناء حديثنا مع رجل الأمن وقف أحدهم يستمع للحديث ليقاطعنا،«أنا كنت موجود هنا ساعة اللي حصل» الغريب أنّ هذا الشخص بالرغم مما شاهده لم يمنعه من العودة لاستكمال العلاج مرة ثانية، فكان ضمن الهاربين من الاستقبال بعد دخول مريض الإيدز وجلس في منزله أمس ليقرر بأنّه لا داعي للقلق ولا بد للعودة مرة ثانية لاستكمال العلاج، متيقنّا أنّ الأمر لا بد وأن يكون مرّ بسلام ولن يحدث شيئ له غير إرادة الله.
خارج المستشفى لم يكن هناك شيئ غريب الأمر يبدوا كعادته كل يوم، سيارات في كل مكان مقهى أمام بابها الرئيسي معظم رواده من مرافقين المرضى، على بعد أمتار قليلة من باب الاستقبال كان هناك شخصّا يترقب الحدث، من مسافة صغيرة وقع على آذاننا حديث دار بينه وبين أحد الأطباء «يادكتور الواد مريض الإيدز عمل ايه»، اهتمامه بالواقعة جعلنا نقترب لنتحدث معه، شاب عشريني صاحب كشك البقالة المجاور للمستشفى، جميع روادها يمرون عليه، على دراية بمعظم أطبائها، شهد على الواقعة كان يجلس بداخل محله، يرتب بضاعته سمع أصوات صراخ ومرضى وحراس أمن وأطباء الجميع يهرول خارج الاستقبال، لم يفهم ما يدور حوله.
دقائق معدوده حتى جائه أحد العاملين والخوف ملأ وجهه، يتلعثم في الكلام يطلب منه زجاجة مياه، فسأله عن ماحدث، فأخبره الموظف أنّ هناك شخص مريض حامل للإيدز جاء للاستقبال وملأ المكان بدمه، وبدأ يصرخ ويتحرك في كل جوانب القسم يبدو أنّه يتعاطى شيئّا، وحاولوا التواصل مع الوزارة لتخبرهم أنّ لوزيرة أمرت بدخوله وعلى الفور وافق مدير المستشفى، الجميع في خطر هنا ولا أحد يهتم، وهمّ الموظف مسرعّا تاركّا الشاب ليحاول إخراج المرضى من الاستقبال.
الجميع على علم بالأحداث لكن الغريب أنّ المرضى تغلّبوا على خوفهم من نقل العدوى مقابل راحتهم، خاصة مع علمهم بأنّ المستشفى لم تتخذ تدابير الوقاية الكاملة لعلاج هذا الموقف، الغريب أنّ زوجته من الممكن أن تكون هي الأخرى حاملة للمرض وبالرغم من كونها تعد محتجزة برفقة زوجها إلّا أنّ إحدى الممرضات بالمستشفى أخبرتنا أنّ الزوجه تخرج وتدخل دون أدنى مشكله الزوج فقط المحتجز.
موضوعات متعلقة
أول رد من الصحة على إصابة مريض بالإيدز فى أسوان
”الصحة” تكلف المستشفيات بعلاج مرضى الإيدز