الحوثى يرفع الراية البيضاء.. والتحالف العربى يبنى مستقبل اليمن
كانت جبالها خضراء تناطح السحاب، وأنهارها صافية ممتلئة عن آخرها، شوارعها نظيفة واسعة للغاية، ومنازلها مزخرفة كالقصور، يجن جنونك حينما ترى جمالها الساحر وبناءها الفاخر، وأطفالها تكسو السعادة والبهجة وجوههم، يهرولون خلف بعضهم فى الشوارع المرصوفة بالطوب الحجرى القديم فى بلدتهم التى مر على بنائها قرابة ألف عام.
لم يدم هذا الحال طويلا، وانقلب رأسًا على عقب، الجبال الخضراء سكنها المسلحون، والأنهار الصافية عسكر فى جوانبها القراصنة ينتهكون ويغتصبون السفن المارة من خلالها، الشوارع النظيفة أصبحت ملطخة بالدماء ولم تعد واسعة كعادتها، والأطفال الصغار أصبحوا حديث العالم يتباكى لحالهم الكبير قبل الصغير، فقد اختفت من وجوههم علامات الفرح، وأصبحت ملامحهم شاحبة يعانون من الجوع والفقر بسبب الدمار الذى لحق بأرضهم.
المشاهد السابقة، تارة تركز على هؤلاء الأطفال وهم يضحكون ويلعبون، وتارة بعد أشهر قليلة تركز عليهم أيضًا وهم يبكون بجسدهم النحيل من الجوع والخوف، فهذه المشاهد حقًا ليست مجرد لقطات حدثت فى أحد المسلسلات الدرامية، أو عبارة عن عدة سطور نُقشت فى بعض الروايات المأساوية، ولكنها واقع عاشه أغلب أفراد الشعب اليمنى خلال السنوات القليلة الماضية.
المساعدة تتحول إلى حرب
عام 2015 كان شاهدًا على بداية الصراع بين قوات التحالف العربى المدعومة من المملكة العربية السعودية، وبين ميليشيات جماعة أنصار الله "الحوثيين" فقوات التحالف فى البداية حاولت التدخل مع الرئيس على عبدالله صالح، لتهدأ الأمور فى المنطقة، وتستمر على حالها الطبيعى، ولكن أنصار "عبد الملك الحوثى" المدعومين من إيران حالوا بين التقدم والازدهار ببلادهم؛ لتحقيق رغبات طهران، وأرادوا أن ينقلب اليمن الحزين إلى بركة من الدماء يكون البطل فيها عبد الملك الحوثى وجماعته الذين يسعون بكل جهودهم إلى تكوين الجماعة الجارودية التى كان يحاول الحوثى فى البداية إنشاءها.
وبالفعل فى هذا العام بدأت الحروب تنتشر فى أنحاء اليمن، وحاول الحوثيون السيطرة على العديد من المناطق منها العاصمة صنعاء، والكثير من المناطق الأخرى التى راح ضحيتها العديد من المدنيين، بسبب بطش المعتدين، الذين هددوا الملاحة فى ميناء الحديدة، والتجارة العالمية فى مضيق باب المندب، وهو ما دفع المملكة ودول التحالف العربى للتصدى إلى تلك الميليشيات وإعادة إحكام السيطرة على المناطق اليمنية.
القاسمى: قائد الميليشيات مجبر على التصالح.. والمؤشرات لا تبشر بخير
وحول هذا الصدد، قال الباحث الإماراتى، الدكتور خالد القاسمى، إن المشروع الحوثى هو مشروع طائفى كمشروع حزب الله فى لبنان والحشد الثورى فى العراق وجماعة بدر، وكلها مشاريع طائفية لإشعال الفتن بين المجتمعات، لأن سياسة إيران تعمل على تصدير الثورة، وهو نشر ثورتهم على جميع المنطقة العربية، والمشروع الحوثى كان فى بداية التسعينيات، حينما عاد بدر الدين الحوثى، الذى كان يحاول إنشاء جماعة الشباب المؤمن التى تعنى الجارودية.
وأضاف القاسمى، أن مشروع "الشباب المؤمن" كان فى التسعينيات، وهذا يوضح مدى الإهمال الذى لقاه اليمن من الدول العربية، لأنه كان من المفترض الوقوف فى وجه هذه الجماعات من قبل الدول الخليجية والعربية، لأن اليمن يشكل عمقا استراتيجيا للأمة العربية، ومنذ هذه الفترة، لقيت جماعة أنصار الله الحوثيين الحرية، وتلقت الدعم الذى تريده من إيران؛ حتى تمكنت من إنشاء الجماعات التى تحارب بها وتخرب اليمن هكذا الآن.
وأكد الباحث الإماراتى، أن الحرب التى اندلعت فى عام 2015 واستمرت حتى الآن فى عامها الرابع، جاءت بلا شك لمحاربة مشروع إيرانى كهنوتى يعمل على تدمير دول الخليج ويزعزع الأمن والاستقرار فى المنطقة، وبالتالى دول الخليج تحمى نفسها، وهذه الحرب لن تنتهى إلا بانتهاء المشروع الذى قامت من أجله وهو التخلص من الكيان الإيرانى الداعم إلى الحوثين فى المنقطة.
وتابع القاسمى، أن التحالف العربى سيقبل التصالح مع ميليشيات الحوثى؛ لأنها حزب من أحزاب إيران، ولكن بشرط أن تترك ميليشيات الحوثى السلاح وتعود إلى اليمن كحزب مثل باقى الأحزاب، وتترك فكرة السلالة الشيعية التى يسعون لها، لأن التحالف قام على إنهاء التحالف الذى قدموه، وأن على عبدالله صالح، حينما تحالف مع الحوثيين؛ كان يريد القضاء على هذه الفكرة التى جاءوا بها، ولا بد بعد هذه التضحيات التى قدمها التحالف العربى ودول الخليج لليمن؛ أن يكون هناك مستقبل سالم لأطفاله.
وأشار إلى أن الحوثيين هم السبب فى هذه الحرب المندلعة بسبب مشاريعهم التى كانوا يسعون إليها، من السيطرة على خليج باب المندب وميناء الحديدة، والجميع يعرف هذا، وأهمية هذه المناطق بالنسبة للاقتصاد اليمنى، مؤكدًا أن جميع المفاوضات التى سعت للصلح بين الحوثيين والتحالف، فشلت من قبل، وأن عملية الصلح هذه المرة لن تكون مجرد مراوغة من جماعة الحوثى، ولكنها مرغمة على فعل ذلك، وهناك بعض المؤشرات التى توضح فشل هذه المرة فى السويد، مثلما حدث فى جنيف من قبل، لأن لديهم مشروعا يريدون تحقيقه، ولن يتخلوا عنه بهذه السهولة.
وتابع أن عملية الصلح هذه المرة، ستشمل مطالبة الحوثيين بتسليم الأسلحة الثقيلة للدولة، والخروج من المناطق التى يسيطرون عليها، ويعودن إلى كهوفهم فى صنعاء، وهذا يكون من الصعب أن تفعله جماعة أنصار الله، وأن الحل فى اليمن لابد أن يكون سياسيًا، ولا يجوز أن يكون عسكريًا، لأن الأخير جاء ليوقف الحوثيين عن أعمالهم التى ينتهكون بها خصوصيات الدولة فقط، ولكن الحل الأفضل سيكون سياسيًا.
غلطة جنيف والعودة إلى الرشد
منذ أشهر قلائل ترقب العالم بأسره، القمة التى عقدت فى مدينة جنيف السويسرية، بشأن الأزمة اليمنية التى استمرت عدة سنوات، وبقيادة المبعوث الأممى الخاص بالأزمة "مارتن جريفيث" والتى كان من المقرر أن يحضرها أطراف الأزمة من التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية، والذى كان يمثله العقيد تركى المالكى، المتحدث باسم التحالف، وأيضًا حضور الجانب الحوثى والإيرانى، ولكن تغيب عن المشهد تمامًا الجانب الحوثى، ولم يحضروا إلى الأراضى السويسرية لوضع حلول للأزمة.
أظهر الحوثيون العديد من الحجج على حد زعمهم، والتى تمكنوا من خلالها من الغياب، ولعل أبرزها أن قوات التحالف العربى لم توفر لهم تصريحًا للطائرة التى تخرج من صنعاء، متجهة إلى جنيف لحضور الاجتماع بشأن الأزمة، ولكن التقارير التى تم تداولها عقب التخلف عن الحضور، أفادت بأن الحوثيين لم يكونوا جاهزين للمواجهة، وأنهم تيقنوا أنهم لن يحصلوا على مطالبهم التى بدأ الصراع من أجلها، ولذلك تخلفوا عن الحضور فى جنيف، وهذا ما تسبب فى إشعال المواجهات بينهما مرة ثانية وراح ضحيتها العديد من أفراد الميليشيات الحوثية.
هانى سليمان: تضييق القوات العربية أرضخ الطرف المعتدى.. وقمة السويد لن تنجح إلا بقبوله شروطها
وقال الباحث السياسى فى الشأن الإيرانى، الدكتور هانى سليمان، إن نهاية 2018 ستحمل بعض المبادرات للسعى نحو السلام فى اليمن، ولكن نهاية الحرب لن تكون فى العام الذى أوشك على الانتهاء، ولا حتى نصف العام المقبل؛ لأن الأزمة التى يمر بها اليمن ليست صغيرة، وأن كلا الطرفين لديهما الأدوات التى يضغطون بها على بعضهما البعض، وأن مطالبة الحوثيين بالتصالح فى بيان رسمى، هو مؤشر واضح مهم للغاية، بسبب التضييق الذى مارسه التحالف العربى ضد جماعة الحوثى، وأن المساعدات التى يقدمها التحالف العربى لليمن تعزز من وجوده فى المنطقة، وتعطى دوافع قوية لدول التحالف فى تحريره وفرض الاستقرار به.
وأكد سليمان، أن استقرار اليمن هو استقرار لكل الأمة العربية والتجارة فى العالم بسبب مضيق باب المندب، وأن التحالف العربى سيمد يده للتصالح فى أى وقت، لكى تنتهى الدولة اليمنية من الصراعات التى جعلتها على حافة الهاوية، والقصة كلها تتوقف على الشروط التى يفرضها التحالف، ومدى قبول الميليشيات الحوثية التى اعتقدت نفسها بأنها دولة داخل الدولة، توجهها إيران كيفما تشاء، مضيفًا أن نية الحوثيين من هذا الإعلان بالمصالحة ستظهر على الحقيقة خلال الأيام المقبلة سواء كان مراوغة أو حقيقة، ومن خلال المؤشرات التى تتغير فى أساليب الحرب والسلم، والتى تظهر أهمية هذا الأمر من عدمه.
واستطرد بأن عدم التوصل إلى حلول سيؤدى إلى تزايد الأزمات ولكن الأداة الرئيسية التى تحارب الحوثيين فى اليمن؛ هى التحالف العربى، وأن فكرة تدخل دول أجنبية فى هذا الصراع، لن يحصل؛ لأن الدول العربية لم تحاول ذلك، وربما حاول ترامب من قبل التعاون والتحالف مع التحالف العربى؛ ولكن الدول العربية هى التى تدعم هذا التدخل، للحفاظ على عروبة القضية، وعدم تدخل دول الغرب فى الشئون الإقليمية، ولكن على كل حال من الممكن أن يؤثر ضغط طهران على اليمن ويسمح بتدخل دول أخرى.
وتابع الباحث السياسى، أن السبب الرئيسى فى عرقلة المصالحة باليمن، هى الدولة الإيرانية، التى تدعم الحوثيين فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، وغيرها، فهى تدعم بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، وربما حاولت فى الآونة الأخيرة توجيه ضرباتها من خلال أنصار الله إلى المملكة العربية السعودية، وتهديد أمنها القومى ودول الجوار، فهى تسعى إلى تحقيق الحلم الفارسى من خلال الجماعات التى تستخدمها، وبالتالى المصدر الأساسى الذى يعبث بمقومات اليمن هى إيران التى تأثر بشكل كبير.
ولفت إلى أن هناك محاولات دبلوماسية فى المنطقة من دول الجوار لإنقاذ الوضع الإنسانى، وهذا ما وضَّح مدى قبول جماعة الحوثى للتصالح، وخاصة أنهم رفضوا الحضور من قبل فى جنيف، وستشهد الفترة المقبلة تواصلا داخليا بين السعودية والتحالف والمبعوث الأممى لدى اليمن جريفيث مارتن، والحوثين؛ للانتهاء من هذا الأمر الدامى والسعى نحو الحل السياسى.
تيسير النجار: إيران هى الإرهاب العالمى الذى يعرقل المصالحة.. وعمان تساعدها فى دعم الإرهابيين
وقال المحلل السياسى السورى، تيسير النجار، إن إيران هى السبب الأساسى فى أزمة اليمن، ولولا دعم الحوثى ما كانت تطورت هذه الأزمة، ولابد أن تعود إيران إلى حدودها وفقًا للقانون الدولى، والتحالف العربى لن يقبل التصالح مع الحوثيين، لأنهم ضربوا الصواريخ على السعودية حينما كانوا يحاربون الرئيس اليمنى على عبدالله صالح، ولكنها كانت دون جدوى، والحوثيون ما زالوا أقوياء لأنهم يستقبلون الدعم الإيرانى غير المحدود حتى الآن عسكريا وماديا.
وأضاف النجار أن السبب وراء سعى الحوثيين نحو المصالحة؛ هى السيطرة الكاملة التى فرضتها قوات التحالف العربى عليهم فى شتى أنحاء اليمن، وبدأوا العودة إلى أصلهم، وأيضًا يخافون من توقف الدعم الإيرانى وزراعة الحشيش فى أراضيهم، لأن التمويل الإرهابى من زراعة المخدرات، وأن إيران هى الإرهاب العالمى الذى يهدد الجميع، ولكن هناك ضغطا سعوديا خليجيا لتحقيق المصالحة لإعادة الأمور إلى عادتها.
وأضاف السياسى السورى، أن إيران تسعى بكل قوتها لتعرقل المصالحة، وأن الحصار الذى فرضته أمريكا على إيران من الممكن أن يضعفها، ولكن هناك بعض الدول الخليجية، وبالتحديد عمان، تساعد إيران من تحت الطاولة، عبر ميناء "ماسانزم"، وهذا بعيد عن الأراضى العمانية، وهو بجانب المضيق مباشرةً ولكنها مدينة عُمانية وميناء عمانى، وكل البضائع التى تمر عبر المضيق تذهب إلى إيران.
وأضاف النجار، أن هناك تغطية على إيران من بعض الدول الخليجية، وتركيا تستغل الفجوة وتستفيد من الحصار الاقتصادى على الدوحة، وأنه فى حالة عدم توقف الحرب لن تتدخل أى دول أجنبية فى هذا الصراع، ولن يكون هناك أى تدخلات إلا من الدول الخليجية فقط لحل هذه الأزمة.
وأشار إلى أن عدم حضور الحوثيين إلى قمة جنيف التى عقدت منذ شهور، وسعيهم اليوم لطلب المصالحة، هو شىء له عدة أسباب، لعل أبرزها ضعف الحوثيين، ولن يحصلوا على شىء مثلما كانوا سيحصلون الآن لو حضروا جنيف، ولن يستطيعوا طلب أى مورد من موارد الدولة لأنهم لم يشكلوا قرابة 5% من المساحة اليمنية.
مستقبل اليمن فى السويد
على غرار المفاوضات فى جنيف التى عقدت منذ أشهر، أعاد المبعوث الأممى مارتن جريفيث الكرَّة مرة ثانية، محاولًا الوصول إلى حل يوقف الدمار الإنسانى الذى يعيشه أطفال اليمن منذ سنوات، وهذا ما شهده يوم الخميس الماضى من اجتماعات بين دول الصراع فى اليمن، ولكن لابد من حضور جميع الأطراف التى تتصارع فى اليمن وعلى رأسها إيران والسعودية، لأن مشكلة اليمن تتوقف على هاتين الدولتين وهذا ما وضحه الخبير السياسى.
غريب: حضور رباعى الصراع للمفاوضات ضرورة لحل الأزمة
وقال الدكتور محمود غريب، الباحث السياسى المتخصص فى الشأن، إن التطورات التى حدثت فى الآونة الأخيرة تشير إلى عملية تصالح فى الشأن اليمنى، ولكن درجة النجاح تتوقف على مدى قبول الدول المتأثرة والمؤثرة فى التصالح، وهى روسيا والسعودية والإمارات، وهى من لها علاقة مباشرة بما يحدث فى اليمن، وأن مؤتمر السويد لابد أن يحضر فيه جميع الأطراف، ورغم ذلك هناك أقوال أن إيران والسعودية لن تحضراه، وبالتالى أى مفاوضات سياسية تخرج عنها السعودية وإيران لن تكتمل، لأنهما الدولتان المؤثرتان والمتأثرتان فى المنطقة بشأن هذه الأزمة اليمنية.
وأضاف غريب، أن الأزمة فى اليمن، لن تعتبر الحوثيين أداة لإيران، وبالتالى إذا أرادت أن يكون هناك حلًا للأزمة اليمنية لا بد أن يكون على طاولة المفاوضات الدول الأربع إيران والسعودية والإمارات وروسيا، ومن غيرها؛ يعتبر استهلاكًا للوقت ولكن تكون هناك حلول، وهذا ما وقع فيه المبعوث الأممى مارتن جريفيث، لأن الأزمة اليمنية معقدة للغاية، فالسرعة فى طرح الحلول التى تفتقد الدقة غير مطلوبة فى حضور بعض الأطراف، ولكن هناك مؤشرات لحل الأزمة وكلها متوقفة على اجتماع السويد.
وأشار إلى أن الاجتماع الذى ينعقد فى السويد، إن توصلوا خلاله إلى حل، سيكون من بينها أن يؤمَّنْ ميناء الحديدة بالقوات الأممية، وبالتالى فى حالة توقف الحرب؛ ستدخل الدول الغربية، وفى حالة استطالت الخلافات وبقاء الحال كما هو عليه، ستدخل الدول الغربية أيضًا لتوسع نفوذها، مضيفًا أن هذه الصراعات كلها لتحقيق مصالح، ولن تحضر جماعة الحوثيين الاجتماعات السويدية إلا إذا تمكنت من الحصول على مطالبها وأغراضها التى تسعى إليها.