"تسليح الفضاء" يكشف الصراع الدولي الجديد للهيمنة على الأرض

فتح التطور التكنولوجي في تصنيع الأسلحة الباب أمام القوى الدولية العظمى إلى محاولة السيطرة على الفضاء، من خلال مصطلح يسمى سباق "تسليح الفضاء" أو "عسكرة الفضاء"، ما يعني أن الدول في سباق لإرسال الأسلحة إلى الفضاء الخارجي، تشرف عليها قوات عسكرية تابعة لهذه الدول، ورغم انتشار هذا المفهوم بشكل كبير في الفترة الماضية خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إنشاء القوة الفضائية الأمريكية وسميت القوة السادسة في الجيش الأميركي بحلول عام 2020، ليلاحقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أيام قليلة بإعلانه عن تشكيل قيادة عسكرية فضائية، لتكون جزء من سلاح الجو الفرنسي، ليسمى على المدى الطويل "سلاح الجو والفضاء"، وذلك أثناء احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، إلا أن هذا المفهوم تطرق إليه الاتحاد السوفيتي منذ بداية الحرب الباردة مع أمريكا، حيث عمل العلماء السوفيت على إطلاق الأقمار الصناعية العسكرية فقط، بغرض التجسس على الدول المعادية، لكن في هذه الآونة ومع التقدم التكنولوجي، طورت روسيا بالاشتراك مع الصين صواريخ مضادة للأقمار الصناعية قادرة على ضرب أهداف في الفضاء، يمكن إطلاقها من الأرض أو من منصات في الفضاء، ونتيجة لذلك أصبح من المحتمل أن تنتقل ساحة الحرب من كوكبنا إلى آفاق جديدة أكثر خارج الأرض.
قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إن الولايات المتحدة الأمريكية أول من بدأت عسكرة الفضاء منذ سنة ونصف تقريباً، وهذه الخطوة جعلت أمريكا تنسحب من الاتفاقيات الخاصة بضبط التسلح وترتيبات الأمن الدولية، وقد طرح ترامب فكرة تسليح الفضاء من أجل أغراض مدنية وعسكرية، لتلاحقه في هذا السباق فرنسا من خلال إنشاء قيادة عسكرية فضائية ثم ألمانيا، والهدف منه استخدام مجالات جديدة لعسكرة الفضاء، وتطوير الاستخدامات السلمية والعسكرية.
وأضاف فهمي أن لهذا التسليح فائدة في مراجعة الاتفاقيات العسكرية الأوروبية في نطاق حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكذلك مراجعة الاتفاقيات الثنائية بين روسيا وأمريكا الخاصة باستخدامات الفضاء لأغراض عمل التجارب المدنية والعسكرية، وهذا ما دفع ترامب لطرح اتفاقيات جديدة تراعي كافة التطورات الحديثة في هذا السباق.
أوضح طارق فهمي أن هذا التسليح ليس مجرد سباق فقط بين الدول، إنما يدخل في إطار استخدامات أسلحة الدمار الشامل، لذلك على الدول التي تضع خطوة في هذا السباق، أن تدخل ضمن الاتفاقايات الجديدة التي ستحدد في مجال تسليح الفضاء، حيث لن تقتصر على الولايات المتحدة وروسيا فقط، إنما ستشمل عدة دول في نطاق حلف الناتو، خاصة التي تنوي الدخول مجال تسليح الفضاء مثل اليابان وألمانيا.
أما عن خطورة هذا التسليح علي القضايا الدولية، أكد فهمي أن عدم التزام أي طرف من الأطراف التي تنضم أو تصدق على الاتفاقيات التى تحكم ضبط التلسح الفضائي والسيطرة عليه، مما يخلق حالة من الفوضى العسكرية في ظل عدم التزام أي طرف من الاطراف، وهذا يؤثر على السلام الدولى وعملية الاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي، وسيؤدى إلى حالة من الفوضى في مجال الفضاء والاتفاقيات الدولية.
وعن اتفاقية الفضاء التي أجريت عام 1976، لتنظيم ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، كما تمنع إجراء أي أعمال عسكرية من قبل الدول المنضمة إلي المعاهدة، أوضح طارق فهمي أن هذه المعاهدة أصبحت رمزية فقط، ولا يوجد دولة من الدول المصدقة عليها ملتزمة بها، مشيرا إلى أن تصديق أمريكا أو روسيا وانضمام الصين لا فائدة منه، فهناك حالة من عدم الالتزام من قبل الأطراف المشتركة، وهذا واضح جدً من الجانب الروسي، خاصة بعد أعلن بوتين عن فكرة "دعونا نعسكر في الفضاء".
واعتبر فهمي وجود أنشطة غير مشروعة تقوم بها الدول التي تدخل في هذا السباق، خطر على استكمال اتفاق فى أى معاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف، حيث تلعب مصالح الدول في هذا الإطار دور كبير في إتمام الاتفاقيات، وقد ينتج عن هذا انفلات عقد الاتفاقيات، وعدم التزام الدول بها، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار تنتج عنها حروب.
واصل طارق فهمي، أن هذا التسليح يخلق حالة من توازن القوى بين روسيا وأمريكا، كما يدخل في مجال النووي وهذا يؤثر على قدرات الجيوش على مستوى العالم، وخاصة الدول النووية، وسوف يؤثر على إقليم الدول الحديثة وخاصة مناطق حلف الناتو، ودول شرق آسيا.
فيما أوضح جهاد عودة خبير العلاقات الدولية، أن مصطلح "عسكرة الفضاء" يحمل العديد من المعاني، فنحن نستخدم تكنولوجيا الفضاء، لأغراض عسكرية ومدنية، وأخري مدنية وعسكرية معاً.
وقال إن صراع الفضاء يختلف أشكاله، بسبب استخدام تكنولوجيا متطورة تعتمد على أنترنت الفضاء، وأصبحت استراتيجية تسليح الفضاء منتشرة بين العديد من الدول العظمى، حيث دخلت الصين وأمريكا وروسيا وفى الأخير فرنسا، مضيفاً أن العالم الآن يعيش في عمق هذا التسليح، فهناك دول تقدمت فى هذا الإطار، فلا يوجد دولة تمتلك برامج فضاء ولا يوجد لديها استراتيجية واضحة نحو هذا السباق، أو حتى تمتلك ملامحا في التعامل مع هذا السباق.
وأكد عودة أن التسليح الفعلي للفضاء، بدأ في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريجن" في العقد الثامن من القرن الماضي، حيث كان يمتلك استراتيجية لتسليح الفضاء، لكنها كانت على هيئة صواريخ صغيرة الحجم أو أسلحة ليزر، ولكن لم يكن لها صدى مثل الفترة الحالية.
أضاف أن الأسلحة الآن لا تكون بالشكل المعروف لدى الكثير مثل الصواريخ أو غيرها من الأسلحة الضخمة، فمع التقدم التكنولوجي تعتمد الأسلحة على النانوتكنولوجي التي تستند من الأساس على تكنولوجيا الاتصالات التي نشهدها الآن، كما أن فكرة اندماج الأرض مع الفضاء جعلت التطور في الأسلحة يخرج من إطار الضخامة التي نعرفها.
أما عن المعاهدات في هذا المجال، أكد عودة أن تنفيذها صعب فى الوقت الحالي، لأننا فى مجال نامي، لا تتوافر فيه الكثير من المعلومات، التى تجعل الدول تلتزم بأي معاهدة في هذا المجال، فندرة المعلومات عن مجال تسليح الفضاء، تجعل الدول فى حالة تشويش تام عن تنفيذ نصوص المعاهدات.
وعن خلق صراع دولي نتيجة تسليح الفضاء، عقب خبير العلاقات الدولية أن عملية دخول العديد من الدول في هذا المجال يخلق حالة من الصراع ليس فقط في التسليح ولكن في إنشاء قوات عسكرية قادرة على التحكم بالأسلحة، وليس بالضرورة أن تكون هذه القوات في مكان ما بالفضاء، فنحن الآن نشهد تدخل القوات عن طريق أسلحة مسيرة مثل الطائرات بدون طيار، وذلك نتيجة التطور الكبير في علوم الأتصالات، فالجيوش في عصرنا أصبح لها القدرة في التحكم بالمعارك بدون تدخل بشري.