بعد عودة موسكو لـ أفريقيا.. موجة جديدة من منافسة القوى العظمى على الأرض السمراء

وفقا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "تكتسب الدول الأفريقية ثقلا سياسيا وثقافيا، وتؤكد نفسها كركائز رئيسية للنظام العالمى متعدد الأقطاب وتتمتع بدور أكبر في اتخاذ القرارات بشأن القضايا الأكثر أهمية في جدول الأعمال الإقليمب والعالمب"، بعد أن حققت روسيا عودة مثيرة للإعجاب فب الشرق الأوسط، أصبحت موسكو جذابة للدول التى تبحث عن بدائل للعلاقات السياسية والاقتصادية القديمة، كانت أول دولة أفريقية تقوم بذلك هى جمهورية أفريقيا الوسطى التى مزقتها الحرب، واليوم التالى السودان، البلد الذى يواجه تحديا مشابها، ثم فعلت الشىء نفسه المزيد من الدول، وصلت حاليا لأكثر من 30 دولة أفريقية وقعت اتفاقيات مع روسيا لتطوير الموارد الجغرافية، وتوريد منتجات المجمع الصناعى العسكرى، وتدريب أفراد الجيش وقوات إنفاذ القانون، حيث نتج عن الجهود الدبلوماسية الروسية انعقاد القمة "الروسية الأفريقية" الأولى، التى عقدت فى سوتشى يومى 23 و 24 أكتوبر الماضى، فى اليوم السابق، افتتح المنتدى الاقتصادى الروسى الأفريقى فى سوتشى أيضا، من بين 62 هيئة قانونية أفريقية معترف بها رسميا من قبل الأمم المتحدة، حضر المنتدى الروسى رؤساء دول 43 دولة، بينما شارك 11 آخرون على مستوى الوزراء والسفراء، وخلال منتدى سوتشى، وقعت روسيا والدول الأفريقية أكثر من 500 اتفاقية بقيمة حوالي 800 مليار روبل، وتوصل المشاركون إلى اتفاق لإنشاء صندوق دعم تجارى بقيمة 5 مليارات دولار، كما دفع نجاح المنتدى إلى عقده بانتظام كل عامين.
النشاط الروسي في أفريقيا يقلق الدول الغربية
قال محمد عز الدين باحث فى الشأن الأفريقى، إن روسيا ظهرت مرة أخرى فى القارة الأفريقية بعد غياب دام عشرات السنين، هذه العودة أثارت الكثير من القلق لعدة دول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية العدو الأول لموسكو، حيث أثار النشاط الروسى فى أفريقيا مخاوف من بداية موجة جديدة من منافسة القوى العظمى فى أفريقيا، وكثيرا ما شدد صناع السياسة الأمريكية على الحاجة إلى مواجهة التأثير الخبيث الروسى على القارة، وهذا ما وضح عندما صرح "جون سوليفان" نائب وزير الخارجية الأمريكى، أن روسيا كثيراً ما تستخدم الوسائل القسرية والفاسدة والسرية لمحاولة التأثير على الدول ذات الأفريقية، بما فى ذلك شراكاتها الأمنية والاقتصادية، وقد ظهر ذلك فى الزيارات العديدة من المستشارين السياسيين الروس للدول الأفريقية.
وأضاف روسيا تتطلع بشكل متزايد إلى أفريقيا كمنطقة يمكنها فيها إظهار القوة والتأثير، وهو ما وضحه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عندما استضاف زعماء القارة الأفريقية فى قمة سوتشى الشهر الماضى، وهذه القمة الروسية الأفريقية الأولى مؤشر واضح على الأهمية التى توليها أفريقيا للكرملين فى الوقت الحالى، موضحا الفترة القادمة ستكون الطرق الروسية محدودة أكثر، لكن ستوجه كلها إلى فراغات القوة التى نشأت بسبب عدم تركيز السياسة الغربية والأمريكية على أفريقيا فى السنوات الأخيرة، وتعطى هذه الحالة لروسيا فرصة لكسب تأييد الدول والحكومات فى القارة، لذلك أسلوب الانتهازية لسد الفراغات هو ما يدفع استراتيجيات روسيا منخفضة التكلفة ومنخفضة المخاطر نسبيا لمحاولة تعزيز نفوذها فى أفريقيا.
وأوضح الباحث فى الشأن الأفريقى أن محاولات روسيا للعودة إلى أفريقيا باتت أكثر وضوحا، فالقارة السمراء ساحة تخلت عنها منذ ثلاثة عقود، عندما أصبح عبء الطموحات العالمية أكثر من اللازم لتحمل الاقتصاد السوفيتى المتفتت، حيث تمتع الاتحاد السوفيتى بعلاقات واسعة فى جميع أنحاء أفريقيا لعقود من خلال دعمه لحركات التحرير الوطنية فى أنجولا وموزمبيق وغينيا، وانخراطها فى نزاعات أوغندا والكونغو، ومغازلة النظام اليسارى فى إثيوبيا، ومع انهيار الاتحاد السوفيتى توقفت هذه العلاقات بشكل مفاجئ، وكانت تكلفة الحفاظ عليها غير قابلة للتطبيق تماما بالنسبة لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتى التى كانت تكافح للتغلب على التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المأساوية.
روسيا تنتهج الانتهازية في أفريقيا
أما عن خطة روسيا للرجوع مرة أخرى لأفريقيا، فأكد أن روسيا تنتهج أسلوب الانتهازية، كما ذكرنا من قبل، فهى السمة المميزة لسياسة روسيا الخارجية الحالية، وسلوكها فى أفريقيا بالكاد يعتبر استثناء، لقد سهلت عودة روسيا إلى أفريقيا فى السنوات الأخيرة جزئيا بسبب الانحدار فى اهتمام الولايات المتحدة بالقارة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، وعدم وجود ارتباط أمريكى كبير مع أفريقيا وتعليقات ترامب المشحونة عنصريا خلقت مساحة كبيرة لروسيا فى القارة، كما فتح قرار تخفيض عدد القوات الأمريكية فى أفريقيا عام 2018، الطريق أمام موسكو للتوغل أفريقيا، حيث أطلق الكرملين حملة دبلوماسية فى القارة السمراء توجت باجتماع قمة سوتشى فى أكتوبر الماضى، فكان وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى جولة شملت عدة دول بأفريقيا، وذلك فى ظل إهمال شديد من واشنطن للدول الأفريقية.
واستطرد أن جولات المسئولين الروس، نتج عنها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون العسكرى والاقتصادى والأمنى مع عدد من الدول الأفريقية، وكان أهمها التعاون الاقتصادى حيث حاولت روسيا الاستفادة من الأدوات الاقتصادية المحدودة المتاحة لها لإعادة تواجدها فى أفريقيا، لكن تحركات موسكو تفوق بكثير تلك التى اتخذتها الصين والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبى، موضحا أن مساعداتها واستثماراتها فى أفريقيا تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، وهذا وفقا للبنك الدولى، الذى خرج بتقرير يفيد بأن قيمة صادرات أفريقيا إلى روسيا حوالى مليار دولار فى عام 2017، بينما بلغت وارداتها من روسيا حوالى 2.5 مليار دولار، مشيرا إلى أن روسيا ليست مصدرا رئيسيا للمساعدة فى التنمية الاقتصادية لأفريقيا، لكنها تقدمه فى الغالب على شكل تخفيف عبء الديون، الذى يزعم المسئولون الروس أنه يصل إلى مليارات الدولارات على مدى عشرين عاما.
استخدام القوة المساعدات الإنسانية
وأردف أن روسيا تستخدم قوة المساعدات الإنسانية لكن بشكل محدود، وتعتبر رمزية إلى حد كبير، على سبيل المثال، لم تتعهد بعد بتقديم أموال لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة فى أفريقيا، والمساعدة التى تعهدت بها روسيا لتخفيف عبء الإيبولا هى أقل من نصف ما قدمته الولايات المتحدة فى ذروة الأزمة فى الفترة 2014-2016، ومع ذلك، فإنه يتوق إلى أن يُنظر إليه باعتباره مانحا دوليا رئيسيا فى أفريقيا، وهو يستفيد من وسائل الإعلام الحكومية مثل سبوتنيك والبيانات الرسمية لتسليط الضوء على المساعدة المحدودة التى تقدمها، موضحا أن المساعدات الروسية لأفريقيا هى إلى حد كبير فى شكل تبرعات استجابة للأزمات الإنسانية، هذا يختلف عندما قدم الاتحاد السوفيتى مساعدة تقنية واسعة النطاق للحركات المناهضة للاستعمار والدول المستقلة حديثا كجزء من مواجهته الأيديولوجية مع الغرب، كما أن موسكو تبدى القليل من الاهتمام فى تقديم التنمية الدولية والتقنية المستدامة المساعدة على غرار ما تقوم به الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو غيرها من الوكالات المماثلة.
الأسلحة الروسية تسهل المهمة الدبلوماسية
أما عن المد العسكرى فى القارة الأفريقية، فأكد أن هناك العديد من الأبواب أمام الكرملين فى أفريقيا، حيث تفضل الدول الأفريقية السلاح الروسى عن الغربى، كما تسهل صادرات الأسلحة إلى أفريقيا الجهود الدبلوماسية الأوسع لروسيا لتنمية العلاقات العسكرية والسياسية والأمنية وتوسيع نفوذها فى أفريقيا، إنها تجعل من الممكن إقامة والحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع القادة العسكريين والسياسيين الصاعدين، ومساعدتها على التنافس على النفوذ مع الولايات المتحدة وفرنسا والصين، كما أن روسيا حريصة على شطب الديون أو توفير التمويل لمشترى الأسلحة، حيث قدمت روسيا الأسلحة إلى 18 دولة فى أفريقيا على مدار السنوات العشر الماضية، مثل أنجولا، بوركينا فاسو، الكاميرون، تشاد، جمهورية الكونغو الديمقراطية، غينيا الاستوائية، إثيوبيا، غانا، غينيا، كينيا، مالى، نيجيريا، رواندا، جنوب أفريقيا، جنوب السودان، السودان، أوغندا، وزامبيا.
مشيرا إلى أن الأسلحة الروسية الصنع توفر عددا من المزايا للعملاء فى البلدان الأفريقية، حيث أنها تميل إلى أن تكون أرخص من نظرائها فى الغرب، ولدى العديد من الجيوش الأفريقية مخزون من الحقبة السوفيتية يتوافق مع الأسلحة الروسية الحديثة، كما تشتمل عقود الأسلحة الروسية غالبا على أحكام لتحديث أو إصلاح المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.