محمد عبدالحليم يكتب: نهاية الدعوات الباطلة

الخميس 04 ابريل 2024 | 12:34 صباحاً
محمد عبدالحليم:
محمد عبدالحليم:
كتب : بلدنا اليوم

لا توجد دعوة باطلة تستمر حتى النهاية، فلابد أن تأتي في مرحلة ما وتنهار، وغالبًا ما يكون انهيارها على يد أحد قادتها الذي يقرر فجأة أن يعترف أن كل أسلافه كانوا مارقين.

لدينا مثالين واضحين في التاريخ:

1- معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

بعد موت يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الثاني، تولى ابنه معاوية الدولة الأموية، فما كان منه إلا أن خرج إلى الناس وصعد المنبر وقال: "إنّ هذه الخلافة حبل الله و أنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله و مَن هو أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر و كان غير أهل له و نازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم، فقصف عمره، و انبتر عقبه، و صار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى و قال: مِنْ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه و بؤس منقلبه، و قد قتل عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم، و أباح الخمر و خرّب الكعبة، و لم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، والله لئن كانت الدُّنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً، و لئن كانت شرّاً فكفى ذرّية أبي سفيان ما أصابوا منها"، حسبما أورد ابن حجر في الصواعق المحرقة.

واختلفت الأقوايل في ضربه بالسيف بمجرد نزوله من المنبر، أو وفاته بعد مدة وجيزة لسبب غير معلوم، لكنها كلها تعطي إشارة لتعمد قتله، وبعدها انتقل الحكم من الفرع السفياني للفرع المرواني من بني أمية.

2- جلال الدين حسن الثالث ابن محمد الثاني:

جلال الدين أحد أئمة الإسماعيلي من نسل نزار بن المستنصر بالله الحاكم الفاطمي.

طبعًا أصبح الجميع يعرف الإمام نزار، الذي اعتبر حسن الصباح نفسه وصيًّا على دعوته، وأنشأ الإسماعيلية النزارية بعد مقتل نزار، وقال إنه الإمام الغائب.

حسن الصباح كان ينصب على أتباعه، لأنه استضاف في قلعته أبناء وأحفاد نزار وأخفاهم عن أعين الناس، لكن بعد وفاة الصباح، ووفاة خليفته برزك أميد، ووفاة خليفته الثاني محمد بن برزك، أعلن حسن علي بن الحسن بن محمد بن علي بن نزار عن نفسه وتولى حكم قلعة آلموت بنفسه باعتباره حفيد نزار، ومن بعده ظل أولاده وأحفاده تباعًا يتوارثون الحكم في القلعة.

حتى جاء جلال الدين حسن الثالث ابن محمد الثاني، وهذا فعل مثلما فعل يزيد بن معاوية بالظبط، رفض عقائد آبائه في القيامة، ولعنهم وكفَّرهم وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه، وقام بوصل حباله مع العالم الإسلامي فقد أرسل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله وإلى السلطان السلجوقي خوارزم شاه والملوك والأمراء يؤكد لهم صدق دعوته إلى التعاليم الإسلامية، ففرحت البلاد الإسلامية بذلك وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد.

الدروس المستفادة

لذلك على كل شخص يريد أن يقيم دعوة باطلة، أن يعلم أن الله سيخرج من صلبه حفيدًا سيلعنه ويفضحه أمام التاريخ.

وكما أذل العباسيون الأمويين وأسقطوا دولتهم، جاء التتار فأسقطوا وقتلوا ما تبقى من ذرية نزار بعد ما استسلموا في النهاية، فجمعوا ما بين الهزيمة والاستسلام والقتل، فقد أذلهم التتار ذلاً كبيرًا، لأنها دعوة باطلة، ليس من وقت نزار فقط، لكن من وقت إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، من منبت الإسماعيلية نفسها.

مجيئ التتار كان عقاب إلهي للمسلمين وقتها على ما وصلوا إليه من التشتت والتشرذم ومحاربة بعضهم بعض، وحتى هولاكو نفسه في رسالته لقطز كان واضحًا وصريحًا جدًا، فقال له: (وقد ثبت عندكم أن نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدّرة والأحكام المدبرة)... يعني نحن عقاب الله عليكم.

الأمة كانت من تشرذمها وافتتانها وقتالها لبعضها البعض بحاجة إلى تربية إلهية، ولذلك سلط لله عليهم عدوهم، مصداقًا لحديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشرَ المهاجرين خمسُ خِصالٍ إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذُ باللهِ أن تدركوهنَّ لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بها إلَّا فشا فيهم الطَّاعون والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضت في أسلافِهم الَّذين مضَوْا ولم ينقُصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذوا بالسِّنين وشدَّةِ المؤنةِ وجوْرِ السُّلطانِ عليهم ولم يمنَعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القطْرَ من السَّماءِ ولولا البهائمُ لم يُمطَروا ولم يَنقُضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّط اللهُ عليهم عدوًّا من غيرِهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم وما لم تحكُمْ أئمَّتُهم بكتابِ اللهِ تعالَى ويتخيَّروا فيما أنزل اللهُ إلَّا جعل اللهُ بأسَهم بينهم).

وفي النهاية انتهت الفتنة بتوحد ما تبقى من جنود المسلمين تحت قيادة الجيش المصري، الجيش الوحيد الذي ظل صامدًا رغم التحول الكبير في السياسة وانهيار دولة كاملة (دولة الأيوبيين)، وقيام دولة وليدة (دولة المماليك).

نصر الله جيش مصر بقيادة الممالك وبتوجيه الصالحين السيد إبراهيم الدسوقي والعز بن عبدالسلام رضي الله عنهما وغيرهما حفاظًا على المسلمين، بعد ما التتار قاموا بحرق مكتبات أصفهان وخوازم وبغداد وكل بلدان المشرق، فضاعت أفكار الباطنية والحشاشين وأغلب الفرق الضالة، ورغم أننا خسرنا جزءًا كبيرًا من التراث الإسلامي العظيم، إلا أن الله أظهره مرة أخرى على يد أهله في العصور التالية.

علينا أن نتعلم جيدًا من دروس التاريخ، فتشرذم الأمة يعقبه عقاب إلهي كبير، فلابد أن تتوحد هذه الأمة حول من أقامهم الله أمناء على دينها وقادة لوحدتها من أئمة أهل البيت، سر قوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم)، كما جا في صحيح مسلم.

فلنجعل عرض مسلسل الحشاشين فرصة للجميع لنبذ الأفكار المارقة ومحاربة الأفكار المخربة والمفرقة للأمة وللوطن.