«بلدنا اليوم» تبحث عن إمام العصر.. الحلقة الأولى: لماذا اختلف المسلمون حول الأئمة المجددين؟

ذات يوم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه ليحدثهم عن مستقبل الدين الإسلامي، فقال لهم: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) [رواه أبو داود ح4291].
ورغم أن الحديث كان من المفترض أن يفرح به المسلمون إلا أنهم اختلفوا أفكارهم حول من يكون هؤلاء المجددون؟
لتحديد العدد قال لهم رسول الله مرة أخرى: (لا يَزالُ أمْرُ النَّاسِ ماضِيًا ما ولِيَهُمُ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا)، ثم حدد لهم من أي قبيلة هم فقال: (كُلُّهُمْ مِن قُرَيْشٍ) [رواه مسلم ح1821].
لكن قريش كانت بطونًا عدة، فحدد رسول أكثر كما جاء في حديث ذكره الإمام مسلم في صحيحه وغيره من أصحاب كتب الحديث، وهو المعروف باسم حديث الثقلين، فقال فيه: (إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما).
لكن هذا الحديث لم يروق الكثير من الناس، فكانت روايته الموازية والتي ذكرها الإمام مالك في كتابه الموطأ- الذي كُتب بتكليف رسمي من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور- وجاء فيها: (إني تارك فيكم ما لن تضلوا كتاب الله وسنتي).
استبدال السنة بدلاً من العترة في الرواية التي كتبت برعاية الدولة العباسية التي كانت تحاول شرعنة حكمها رغم أنها في البداية طالبت بحق أهل البيت ورفعت شعار: "الرضا من آل محمد"، إلا أنها انقلبت عليه سريعًا- تسبب في فرقة كبيرة بين المسلمين، فانقسمت المذاهب الإسلامية المختلفة حول قضية الإمام المجدد كما يلي:
الشيعة الإمامية:
لحسم الأمر سريعًا اختار الشيعة الإمامية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأولاده الإمامين الحسن ثم الحسين ثم 9 من ذرية الإمام الحسين بالتوالي وهم الأئمة: (علي بن أبي طالب- الحسن- الحسين- علي زين العابدين- محمد الباقر- جعفر الصادق- موسى الكاظم- علي الرضا- محمد الجواد- علي الهادي- الحسن العسكري- محمد المهدي)، فقالوا هؤلاء هم الأئمة الإثنا عشر الذين نصت عليهم الأحاديث، لكنهم غفلوا أنهم جميعًا جاؤوا في ثلاثة قرون، وامتد عمر الأمة الإسلامية لما يقرب 15 قرنًا حتى الآن.
لحل هذه الأزمة بدأوا في نظام المرجعيات، أو نظام ولاية الفقيه، حتى يحافظوا على قيادة الأتباع، وقال بعض علمائهم إن الإمام الثاني عشر المهدي يظهر كل 100 عام في صورة شخص ما يجدد الدين، وقال آخرون: بل يرسل رجلاً يجدد للمسلمين دينهم.
لكن هذا لم يكن كافيًا ولا مقنعًا للعديد من قواعدهم الشعبية.
الشيعة الزيدية والإسماعيلية
لم يكن كل الشيعة على نفس الاتفاق حول الأئمة الإثنا عشر، بل انقسموا لفرق مختلفة، مثل الزيدية الذي كسروا خط الإمامية فساروا مع الإمام زيد بن محمد الباقر بعد أبيه بدلاً من أخيه الإمام جعفر الصادق، ثم اختاروا أئمة عدة لهم عبر القرون، ولعل أبرزهم الآن الحوثيين.
وكذلك خرج الإسماعيلية الذين ساروا مع إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق مدعين أنه لم يمت في حياة أبيه كما حدث ومشوا مع ذريته، وأسسوا الدولة الفاطمية، ثم قاموا باختيار أئمة ثم دعاة وانقسموا مرارًا وكان آخرهم البهرة والأغاخانية.
وحتى داخل الإمامية نفسها خرجت جماعات شاذة مثل الواقفة الذين قالوا إن الإمام موسى الكاظم هو القائم المنتظر ورفضوا مبايعة نجله وخليفته الإمام علي الرضا، واستولوا على أموال الشيعة ورفضوا منحها للإمام.
أهل السنة:
لم يتفق أهل السنة بشكل واضح على أئمة على رأس القرون، وقد ساهمت مدرسة ابن تيمية الحراني وتلميذيه الذهبي وابن كثير في نشر فكرة أن المجدد قد يكون مجموعة أشخاص وليس شخص واحد، فقال الذهبي في تاريخ الإسلام 23/180: (الذي أعتقده من الحديث أن لفظ مَن يُجَدِّدُ للجمع لا للمفرد).
وقال ابن كثير: (وقال طائفة من العلماء: الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف) كما في "البداية والنهاية" 6/256.
وحاول ابن كثير أن يميع الأمر ويوسعه بدلاً من حصره، فقال: (وقد ادعى كل قوم في إمامهم، أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر، واللَّه أعلم، أنه يعم حملة العلم من كل طائفة، وكل صنف من أصناف العلماء، من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ونحاة، ولغويين، إلى غير ذلك من الأصناف).
وعلى هذا سار الكثير من أهل السنة، إلا أنه من داخل أهل السنة كان الصوفية يرون أن الأفضل الالتزام والاتباع لأهل البيت، والتتلمذ على يد واحد منهم، فأسس الأولياء من أهل البيت طرق عدة والتف حولها المريدين، وكان الصوفية يرون أن الوجود بجانب شخص من أهل البيت حتى وإن لم يكن هو المجدد فهو الأسلم، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ، ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض).
ونظرًا لأن التيار السلفي- الذي امتد من مدرسة ابن تيمية- أخذ يوزع لقب الإمام المجدد على كل أعلامه حتى ولو كانوا 50 عالمًا في كل قرن، فإن بعض الصوفية بدأوا يقولون إن ابن تيمية وابن عبدالوهاب مجددون لفكر الخوارج في قرونهم وليسوا مجددين للدين.
فلماذا كان من الصعب على المسلمين معرفة الإمام المجدد في عصرهم؟.. سنجيب عن هذا السؤال في الحلقة المقبلة.