بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

«بلدنا اليوم» تبحث عن إمام العصر.. الحلقة الثانية: لماذا تعذر معرفة الأئمة المجددين؟

بلدنا اليوم

بينا في الحلقة الأولى كيف تسببت الدولة العباسية ومدرسة ابن تيمية في إبعاد المسلمين عن إمام العصر من أهل البيت، وتحويل الإمام المجدد من شخصية واحدة ينتظرها الناس على رأس كل قرن إلى شخصيات عدة، مما أفقدها أهميتها ومكانتها.

ما زاد الأمر صعوبة هو دعوة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذي عد أول المجددين من أئمة أهل البيت، حيث قال: (اللهم لا تخلو الأرض من قائم لك بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً, أو خائفاً مغموراً- وفي رواية أو باطنًا مستورًا-, لئلا تبطل حجج الله وبيّناته).

فأصابت الدعوة الأئمة المجددين، فقد يأتي إمام العصر ظاهرًا مشهورًا في قرنه، وكان يتم تعقبه والتضييق عليه وأحيانًا قتله كما فعلت الدولة العباسية والأموية، أو قد يأتي الإمام باطنًا مستورًا، وكان الأولياء في قرون الأئمة المستورين يستدلون على ميلاد الأئمة بعلامات ورؤى وكرامات.

ظل المسلمون في اختلاف كبير حول أئمتهم، وجرت محاولات عدة لحصرهم إما وفق منطق الإمام الواحد لكل قرن، أو مجموعة من العلماء لكل قرن- كما نشر هذه الفكرة تلاميذ ابن تيمية: الذهبي وابن كثير-.

مع الوقت، أصبحت هناك قوائم تضم مئات الأسماء من الأشخاص الذين صنفهم بعض الناس أئمة مجددين، قليل منهم من أهل البيت وكثير من أرباب المذاهب وعلماء المدارس والجامعات الإسلامية والعلماء الموسوعين، ولم يحدث اتفاق حول أي قائمة منهم، لأن العديد منها كان متحيزًا إما لبلد ما أو مذهب ما.

وتفرعت المذاهب الإسلامية حتى وصلت 90 مذهبًا قبيل الغزو المغولي، لكن الأزهر في عهد الظاهر بيبرس اعتمد المذاهب السنية الأربعة فقط وهو ما أكسبها الاستدامة، واندثرت أغلب المذاهب الأخرى مع الزمن، ولم يتبقى مع المذاهب السنية الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، إلا مذاهب أربعة: الجعفري والزيدي والإباضي والظاهري.

محاولة لحصر الأمر

ظلت الفكرة التي نشرتها مدرسة ابن تيمية وشاركهم فيها ابن حجر العسقلاني تنتشر حتى أصبحت شبه قاعدة ثابتة، وهي أن لكل عصر عدة مجددين، حتى جاء العلامة السيوطي في القرن التاسع، ووضع شروط الإمام المجدد في أرجوزة المجددين، والتي قال فيها: 

وَالشَّرْط فِي ذَلِكَ أَنْ تَمْضِي الْمِائَة *** وَهُوَ عَلَى حَيَاته بَيْن الْفِئَة

يُشَار بِالْعِلْمِ إِلَى مَقَامه *** وَيَنْصُر السُّنَّة فِي كَلَامه

وَأَنْ يَكُون جَامِعًا لِكُلِّ فَنّ *** وَأَنْ يَعُمّ عِلْمه أَهْل الزَّمَن

وَأَنْ يَكُون فِي حَدِيث قَدْ رُوِي ***مِنْ أَهْل بَيْت الْمُصْطَفَى وَقَدْ قَوِي

وَكَوْنه فَرْدًا هُوَ الْمَشْهُور *** قَدْ نَطَقَ الْحَدِيث وَالْجُمْهُور

فانتصر السيوطي لفكرة أن إمام العصر فرد واحد، ومن أهل بيت المصطفى، وخصوصًا من ذرية الإمام الحسين رضي الله عنه، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله خص ولدي الحسين بثلاث: الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته).

وكان من شروط الإمام- كما أوضحها السيوطي- أن يكون أعلم أهل زمانه، وقد استند العلماء لضرورة أن يكون جامعًا لعلوم الرسالة الخمس التي وردت في الآية: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 151)، وهذا يعني أن المجدد معه علم تلاوة الآيات والتزكية ويعلم الكتاب والحكمة ويعلم الناس ما لم يكونوا يعلموا وفق حاجة زمانهم.

كما أكد السيوطي أن المجدد يأتي على رأس المائة، وأن يكون عالمًا في كل العلوم والفنون، وأن يكون ناصرًا للسنة، وزاد بعض العلماء أن يكون لديه كمال في الخَلق والخُلق، وأن يكون لديه علم الجفر الذي تميز به الإمام علي بن أبي طالب والإمام جعفر الصادق، وهو علم مكاشفات المستقبل وأدرجوه تحت إطار (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

محاولات معاصرة

في الوقت المعاصر نشرت عدة كتب حاولت حصر أعداد المجددين وفق رؤية مدرسة ابن تيمية وهي وجود أكثر من مجدد في نفس القرن دون التقيد بشروط السيوطي، وكان من بينها كتاب "المجددون في الإسلام" لأمين الخولي، وكتاب "المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر" لعبدالمتعال الصعيدي.

وجرت محاولة أخرى لحصر المجددين وفق منهج السيوطي، أطلقتها طريقة صوفية مصرية، وهي الطريقة العزمية، ضمن مشروع "موسوعة سيرة أهل البيت" وهو مشروع وصفته بأنه إعادة لكتابة التاريخ بأسلوب يجعل إمام أهل البيت هو محور الأحداث.

اعتمد المشروع الشروط التي وضعها السيوطي وغيره من كبار علماء الأئمة، حيث يتم إجراء البحث عن الشخص الكامل في كل قرن واعتماده إمامًا مجددًا، وقد توصلت إلى الأئمة الستة الأول هم: (الإمام علي بن أبي طالب- الإمام جعفر الصادق- الإمام علي الهادي- الإمام أحمد المهاجر- الإمام أحمد الرفاعي- الإمام إبراهيم الدسوقي)، وكلهم من أهل البيت.

أما الأئمة الثلاثة الأول فهم من الأئمة الذين اعتمدتهم الشيعة الإمامية وهم أئمة الخط الظاهر المشهور، وأما أئمة الخط الباطن المستور فهم بداية من الرابع الإمام المهاجر وهو أعلم أهل القرن الرابع الهجري، والخامس الرفاعي والسادس الدسوقي من أقطاب الولاية الصوفية، ومال زال المشروع في طور البحث عن الأئمة الستة الآخرين.

لكن ربما يقول البعض لا داعي للجدل حول الأئمة السابقين، فمن هو إمام العصر الحالي؟ 

وهو الأمر الذي سنبحثه في الحلقة المقبلة... فتابعونا

تم نسخ الرابط