بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

«بلدنا اليوم» تبحث عن إمام العصر.. الحلقة الثالثة: من هو مجدد زماننا؟

الإمام المجدد- تعبيرية
الإمام المجدد- تعبيرية

بينا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة كيف تسببت الدولة العباسية ومدرسة ابن تيمية في إبعاد المسلمين عن إمام العصر من أهل البيت، وتحويل الإمام المجدد من شخصية واحدة ينتظرها الناس على رأس كل قرن إلى شخصيات عدة، مما أفقدها أهميتها ومكانتها.

وتحدثنا في الحلقة الثانية عن محاولات حصر الأئمة المجددين وتصنيفهم والتي بدأت من عصر العلامة السيوطي وحتى الوقت المعاصر.

وتوقفنا عند طرح سؤال:

من هو إمام العصر الحالي؟ 

خلال المائة عام الأخيرة 1925-2025م أطلق لفظ الإمام المجدد على عدة شخصيات، بعضها كان امتداد لفكر الخوارج، وبعضها من علماء الأزهر الشريف وشيوخه الأجلاء، وبعضهم من أهل البيت وعلماء الصوفية، أو من دعاة التنوير.

وللأمانة العلمية سنعرض أشهر الأسماء التي أطلق عليها "الإمام المجدد" في زماننا، وإن كنا لا نرى بعضهم ذو أهلية لذلك، لكن من باب الموضوعية سنقوم بعرضهم وسنستبعد التابعين لهم، فإذا خرج أكثر من شخص من نفس الجماعة أو المدرسة أو الطريقة وقيل عنهم إمام مجدد سنعرض منهم المؤسس فقط، وسنترك للقارئ أن يحدد بنفسه من يراه إمام العصر وفق شروط العلامة السيوطي الذي أشاد بعلمه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا.

وللتذكير فإن الشروط التي وضعها العلامة السيوطي والعلماء من بعده، كانت:

1- أن يكون الإمام من أهل البيت، وخصوصًا من الفرع الحسيني، لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن الإمام الحسين رضي الله عنه: "والأئمة من ذريته"، وقوله: (حسين مني وأنا من حسين).

2- أن يكون أعلم أهل زمانه، بمعنى أن يكون معه علوم الرسالة الخمسة: علم تلاوة الآيات، وعلم تزكية النفوس، وعلم الكتاب، وعلم الحكمة، والعلم اللدني.

3- أن يكون لديه كمال في الخَلق والخُلق.

والآن سنبدأ في استعراض أبرز الشخصيات التي تم إطلاق الإمام المجدد عليها خلال المائة عام الماضية:

1- الشيخ محمد عبده:

تولى منصب مفتي الديار المصرية في عهد الخديوي عباس حلمي، ويعد أحد دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، ورمز التجديد في الفقه الإسلامي، كان هدفه القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر.

النسبولد لأب كان جَدّهُ من التركمان، وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية.

المؤلفات: رسالة التوحيد، وتحقيق وشرح «البصائر القصيرية للطوسي»، وتحقيق وشرح «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة» للجرجاني، والإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م)، وتقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م، وشرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، والعروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني، وشرح مقامات بديع الزمان الهمذاني.

من أطلق عليه لقب إمام العصر: كان الشاعر حافظ إبراهيم حيث قال في رثائه: 

بكى عالم الأسلام عالم عصره *** سراج الدياجي هادم الشبهات

لم يصف الشيخ محمد عبده نفسه بأنه الإمام المجدد أو إمام العصر.

2- الشيخ محمود خطاب السبكي:

الشيخ محمود السبكي هو المؤسس الأول للجمعية الشرعية السلفية، وهو أحد علماء الأزهر، وقد بدأ حياته صوفيًا ثم انقلب للفكر السلفي.

النسب: لم يذكر أي شيء عن نسبه.

مؤلفاته: أعذب المسالك المحمودية إلى منهج السادة الصوفية، والدين الخالص، والمنهل العذب المورود، والعهد الوثيق لمن أرد سلوك أحسن طريق، واتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات، ورد شبه المشابهة والمجسمة.

من أطلق عليه لقب الإمام المجدد: تلاميذه ذكروا اللقب قبل اسمه على مؤلفاته.

لم يصف الشيخ محمود السبكي نفسه بأنه الإمام المجدد أو إمام العصر.

3- حسن البنا:

معلم لغة عربية ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين، التي انبثقت منها جميع الجماعات المتطرفة طوال القرن.

النسب: لم يذكر أي شيء عن نسبه، وإن كان الكاتب محمود عباس العقاد هاجمه في مقاله "الفتنة الإسرائيلية" بجريدة الأساس عام 1949م وقال إنه من أصول يهودية.

مؤلفاته: مذكرات الدعوة والداعية، والمرأة المسلمة، وتحديد النسل، والمأثورات، ومباحث في علوم الحديث، والسلام في الإسلام، وقضيتنا، ورسالة المنهج، ورسالة الانتخابات، ورسالة التعاليم، ومقاصد القرآن الكريم.

من أطلق عليه لقب الإمام المجدد: بعض تلامذته، وتم الجهر به في كتاب "الإمام حسن البنا مجدد القرن" لعضو الجماعة توفيق يوسف الواعي، ومنه انتشر التوصيف لأعضاء الجماعة الذين تناقلوه عبر مواقعهم ومنصاتهم الرسمية، وإن كان إخوان المغرب قد اعتبروا الشيخ الإخواني عبدالسلام ياسين هو المجدد لهذا القرن.

وقد انقلب بعض الإخوان عن تلقيب حسن البنا بالإمام المجدد ومن بينهم الشيخ أحمد السكري أحد كبار مؤسسي الجماعة حيث رد على القائلين بأن البنا مجدد القرن بقوله: (لكل قرن مجدد، ومجدد هذا العصر هو السيد أبو العزائم) [الموسوعة الذهبية 34/303].

لم يصف حسن البنا نفسه بأنه الإمام المجدد أو إمام العصر.

4- الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود:

تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في ظروف بالغة الحرج، وكان له مواقف تاريخية وسياسية ودينية لا تنسى، ويحظى باحترام جميع مشايخ الأزهر وعلمائه، وله مكانة كبيرة في قلوب الصوفية، وهو من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رؤيا منامية قبيل حرب أكتوبر، فهرول وبشر الرئيس أنور السادات بالنصر.

النسب: ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه.

مؤلفاته: تميز بغزارة مؤلفاته والتي وصلت لحوالي 60 مؤلفًا، كان أغلبها عن التصوف وأعلامه.

من أطلق عليه لقب الإمام المجدد: يصفه العديد من علماء الأزهر بهذا اللقب لدوره الرائد في تطوير الأزهر ومواقفه وآرائه التاريخية.

لم يصف الدكتور عبدالحليم محمود نفسه بأنه الإمام المجدد أو إمام العصر.

5- الإمام الأكبر الدكتور محمود شلتوت:

الشيخ محمود شلتوت كان من أهم مشايخ الأزهر في القرن الماضي، وهو أول من حمل لقب الإمام الأكبر، وكان له مواقف واضحة في التقريب بين المذاهب الإسلامية.

النسب: لم يذكر أي شيء عن نسبه.

مؤلفاته عديدة من بينها: فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، وويسألونك (وهي مجموعة فتاوي)، كما ألّف الكثير من الكتب التي ترجمت لعدة لغات ولا مجال لذكرها، وفسر أول عشرة أجزاء من القرآن.

من أطلق عليه لقب الإمام المجدد: يصفه العديد من علماء الأزهر بهذا اللقب لدوره الرائد في تطوير الأزهر ومواقفه وآرائه التاريخية.

لم يصف الدكتور محمود شلتوت نفسه بأنه الإمام المجدد أو إمام العصر.

6- الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم:

عالم أزهري ومؤسس الطريقة العزمية الصوفية وجماعة آل العزائم، شغل منصب أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة غوردون بالخرطوم، و أقيل من منصبه بقرار من الحاكم الإنجليزي لمقاومته الاستعمار في السودان، ثم عاد إلى مصر وشارك في ثورة 1919 واستمر نضاله ضد الإنجليز بجانب تربيته للتلاميذ، وشارك ممثلاً عن شعب وادي النيل في مؤتمر الخلافة الإسلامية في مكة عام 1926.

النسب: ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه من جهة والده، وإلى الإمام الحسن رضي الله عنه من جهة والدته.

مؤلفاته: فسر القرآن الكريم في كتابه "أسرار القرآن" وبه نال نوط الامتياز من الدرجة الأولى في عصر الرئيس مبارك عام 1991، وله عشرات الكتب في العقيدة والفقه والأخوة الإسلامية والمناسبات الدينية والسيرة النبوية والتصوف والصلوات على النبي والأدعية، كما كتب قصصًا ومسرحيات إسلامية، بجانب كتاب "الجفر"، وديوانه الذي طبع منه 10 ألاف قصيدة حتى الآن.

من أطلق عليه لقب الإمام المجدد: أول من جهر بهذا اللقب عنه حفيده السيد عزالدين ماضي أبو العزائم، وقد ساعده في ذلك شهادة كبار مشايخ الأزهر ومن بينهم شيخ الأزهر الشيخ محمد الفحام الذي قال: "لمست عن قرب جهاده في إعلاء كلمة الدين، وأسلوبه الحكيم في معالجة الأمور بما يجب أن يكون عليه العلماء المرشدون، والأئمة الصالحون"، وعندما طلب من شيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود تقديم كتابه "أسرار القرآن" قال: "أنا لا أستطيع أن أقدم لكتاب أسرار القرآن للإمام أبي العزائم، وأتحدث عن عمله في تفسير القرآن، لأنه تفسير جامع وشامل، ولا يستطيع أن يقدم لهذا العمل سوى الإمام أبي العزائم نفسه، وأرجو ألا تطلبوا مني ولا من غيري أن يقدم الإمام أبا العزائم" [الموسوعة الذهبية 34/302- 303).

ووصفه الدكتور مصطفى محمود في كتابه السر الأعظم بأنه "في نظري كنز لم يكتشف بعد، وقطب ينافس الفحول قدما وعلما وسلوكا"، وقال عنه الدكتور عبد الودود شلبي وكيل الأزهر الشريف الأسبق: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكنت عزمياً من جنود الإمام المجاهد محمد ماضي أبي العزائم. فقد اكتشفت أن الإمام أبا العزائم كان من نوع آخر غير من عرفت من شيوخ الطرق، كما كان في حياته نموذجاً حياً لأسلافه من عظماء الأئمة الذين جاهدوا في الله حق الجهاد، كما كان في حياته أسوة وقدوة لأبنائه وأحبابه من المريدين والأحباب".

لم يستخدم الإمام أبو العزائم مصطلح الإمام المجدد في وصف نفسه، وإنما كان يتحدث عن المجددين بلفظ الوراث، في إشارة لكونهم الوراث المحمديين الذين ورثوا السر والنور النبوي، وقال في إحدى قصائده:

سَقَانِي رَسُولُ اللَّهِ رَاحَ وِدَادِهِ **** وَصَيَّرَنِي بِالْفَضْلِ بَابَ شُهُودِهِ

وَأَسْعَدَنِي بِالْوَصْلِ مِنْهُ وَحَبَّذَا **** عَطَايَا رَسُولِ اللَّهِ عِنْدَ مُرَادِهِ

وَصَيَّرَنِي غَوْثَ الْوُجُودِ بِأَسْرِهِ **** فَذَاكَ بِفَضْلِ الْمُصْطَفَىٰ وَبِجُودِهِ

وفي أخرى وصف نفسه بأنه خاتم الوراث، أي آخر الأئمة المجددين، فقال:

أنا آية الآيات في كل الورى *** أنا خاتم الوراث من باريه

ختامًا

يذكر أن بعض الشخصيات المعاصرة يقال عنها في بعض الأحيان: الإمام المجدد، ومن بينها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب (نسبه ينتهي إلى الإمام الحسن)، ومفتي الديار السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية الدكتور علي جمعة (لم يذكر شيئًا عن نسبه)، كما تم ذلك مع الشيخ محمد متولي الشعراوي وزير الأوقاف الأسبق (لم يذكر شيئًا عن نسبه) والذي استقر الأمر في النهاية بتلقيبه بإمام الدعاة، وكذلك الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم مؤسس العشيرة المحمدية (ينتهي نسبه من جهة والده للإمام الحسين ومن جهة والدته للإمام الحسن) والذي استقر الأمر في النهاية بتلقيبه بالإمام الرائد.

لكن جرت العادة ألا يقيم العالم إلا بعد انتقاله حتى لا يكون هناك مظهر من مظاهر المجاملة وخصوصًا إن كان صاحب منصب كبير، ولذلك في النماذج الستة الماضية لم يذكر عن أي واحد منهم أنه مجدد إلا بعد كمال تجربته العلمية وانتقاله إلى جوار ربه، إلا أن كبار أئمة الصوفية عندما يصلون لمرتبة القطب أو الغوث وهي مرادفات لإمامة العصر يجهرون بها، مثل قول الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه:

ونوبتي ضربت في الأرض واشتهرت *** ودولتي حكمت في العرب والعجم

وسطوتي ظهرت في الخافقين وقد **** تحقق الأمر أن الأولياء خدمي

وقول الإمام إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:

أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة **** أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة

تم نسخ الرابط