إبراهيم الدراوى يكتب.. على عهدة مخابراتهم.. هكذا تسقط دولة الكيان

تُظهر السياسات الحالية لحكومة إسرائيل ، بقيادة بنيامين نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بالحرب المستمرة في غزة، أن إسرائيل تقترب من مفترق طرق خطير يهدد مصالحها الاستراتيجية ومكانتها الإقليمية.
تصريحات الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل "أمان"، عاموس يادلين، التي وصف فيها نهج نتنياهو بأنه "يدفن مستقبلنا في رمال غزة"، تُلخص بوضوح المخاطر التي تُحدق بـ إسرائيل جراء إصرار الحكومة على مواصلة حرب عديمة الجدوى.
فرصة إقليمية ضائعة تُشير زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في مايو 2025 إلى رؤية طموحة تجمع الولايات المتحدة ودول الخليج لتعزيز التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والتنسيق السياسي.
هذه الرؤية تُمثل "قطارًا سريعًا" إقليميًا يُمكن أن يُعزز مكانة إسرائيل كشريك استراتيجي في نظام إقليمي يُوازن نفوذ إيران.
يادلين يؤكد أن إسرائيل، بعد نجاحاتها العسكرية في إضعاف حماس ومنع تكرار هجمات 7 أكتوبر، تملك فرصة ذهبية لترجمة هذه الإنجازات إلى مكاسب سياسية.
وقف الحرب في غزة سيُتيح تحرير الأسرى، تسريع التطبيع مع السعودية، وإشراك الدول العربية في إعادة إعمار القطاع، مع ضمانات لنزع سلاحه.
لكن نتنياهو، بإصراره على استمرار الحرب، يُهدر هذه الفرصة ويُعرض إسرائيل لخطر العزلة الإقليمية، حيث تُصبح خارج مسارات الاستثمار التكنولوجي في مجالات الذكاء الاصطناعي والشرائح الإلكترونية.
تعميق تهميش إسرائيل
إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب تحت شعار "النصر الكامل" على حماس يُعتبر، وفق يادلين، عبثًا يُضعف إسرائيل. هذا النهج لا يُحقق أهداف الحرب، بل يُكرس صورة إسرائيل كـ"مُعرقل إقليمي"، مما يُهدد بفرض الولايات المتحدة والدول العربية لوقف الحرب بمبادرة منفردة، أو التخلي عن غزة وترك إسرائيل تواجه تداعياتها بمفردها.
تصرفات ترامب تُبرز هذا التهميش بوضوح: مفاوضاته المباشرة مع حماس لإطلاق سراح الأسير الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر دون استشارة إسرائيل، إعلانه عن محادثات نووية مع إيران، وفصل مشروع الطاقة النووية السعودي عن التطبيع مع إسرائيل، كلها إشارات إلى تراجع الثقة الأمريكية في سياسات نتنياهو. هذه الخطوات تُظهر أن إسرائيل تُصبح عبئًا على الاستراتيجية الأمريكية، مما قد يدفع ترامب إلى تقليص المساعدات العسكرية أو الضغط لفرض حلول تُهدد مصالح إسرائيل.
مواجهة محتملة مع ترامب
حكومة نتنياهو تُقترب من صدام مباشر مع إدارة ترامب، التي تُعطي الأولوية لمصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب التنسيق التقليدي مع إسرائيل. قرارات مثل إبرام صفقة عسكرية مع السعودية بقيمة 142 مليار دولار وبيع مقاتلات "إف-35" لتركيا تُقلل من التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وتُعكس تحولًا في السياسة الأمريكية نحو بناء تحالفات جديدة تتجاوز إسرائيل.
نتنياهو، بإصراره على الحرب، يُعرض إسرائيل لخطر فقدان دعم حليفتها الوحيدة، الولايات المتحدة، التي قد تُسارع إلى تشريع مشاريع نووية في إيران والسعودية دون مراعاة مخاوف إسرائيل الأمنية. هذا الصدام المحتمل يُفاقم من هشاشة الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة مع استمرار الحرب التي تُكبد إسرائيل خسائر بشرية واقتصادية باهظة دون أفق واضح.
الخيار السياسي: بديل للنجاة
يُقدم يادلين بديلاً واضحًا: وقف الحرب وتفعيل الوسائل السياسية لتحقيق أهداف إسرائيل. هذا الخيار يُتيح تحرير الأسرى، ضمان نزع سلاح غزة كشرط لإعادة إعمارها، واستعادة الثقة الأمريكية عبر التنسيق في قضايا مثل البرنامج النووي الإيراني.
استمرار الحرب، على العكس، يُجر إسرائيل إلى مستنقع غزة، مُهددًا حياة الأسرى وأمن الجنود، ومُعرضًا إسرائيل لعقوبات أمريكية مثل تقليص المساعدات العسكرية الحيوية. هذا النهج العسكري العقيم يُعكس، بحسب منتقدين، أولويات نتنياهو السياسية الشخصية، حيث يسعى لإطالة أمد الحرب لتعزيز بقائه السياسي على حساب المصلحة الوطنية.
سياسات نتنياهو في غزة تُمثل مغامرة متهورة تُغرق إسرائيل في عزلة إقليمية وتُضعف تحالفها مع الولايات المتحدة.
تصريحات يادلين تُحذر من أن استمرار الحرب يُهدد بتدمير مستقبل إسرائيل، سواء بفقدان الفرص الإقليمية أو بمواجهة مباشرة مع ترامب.
الخيار السياسي يبقى السبيل الوحيد لاستعادة الاستقرار وتعزيز مكانة إسرائيل، لكن ذلك يتطلب قيادة تُعطي الأولوية للمصلحة الوطنية على الحسابات الشخصية. نتنياهو، بإصراره على الحرب، لا يدفن مستقبل إسرائيل في رمال غزة فحسب، بل يُعرض أمنها القومي لمخاطر وجودية.