بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

تباين المصالح بين ترامب ونتنياهو: مستقبل غزة على المحك

ترامب في الخليج
ترامب في الخليج

منذ أن وطئت قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الشرق الأوسط في زيارته الرسمية الأولى خلال ولايته الثانية، والجميع يتساءل حول مصير قطاع غزة المحاصر، وهل تنتهي هذه المأساة بموجب الزيارة التي شهدتها دول الخليج؟ غير أن التقارير الإعلامية أشارت إلى وجود خلاف بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مصير القطاع، إذ يُصر الأخير على استمرار الحرب ويرفض كل محاولات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في إقناعه بالمضي قدمًا نحو السلام، فيما يرى ترامب أن الحل الأمثل هو التوصل لوقف إطلاق النار ودخول المساعدات للمدنيين.

في هذا الصدد، علّق خبراء أمنيون ومتخصصون في الشأن الدولي على شكل الأيام المقبلة في القطاع المحاصر، وتأثير هذه الزيارة على الشرق الأوسط والقضايا العالقة، من بينها النووي الإيراني، والحوثيون في اليمن، ومصير الأوضاع في سوريا ولبنان. غير أن الأهم هو القضية الفلسطينية، وما الدور الذي تلعبه مصر في الأيام المقبلة، وهل يتحقق السلام بدونها في الأراضي الفلسطينية؟

مصر رائدة السلام

في القضية الفلسطينية، لا دور يعلو فوق الدور المصري، إذ لا يكتمل مثلث المفاوضات بدونها، حيث وضعت خطة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، وتصر على عدم تصفية القضية الفلسطينية، في ظل الضغوط الكبيرة التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي لإنهاء هذا الأمر.

سمير فرج: لن يتم تحقيق السلام في غزة بدون مصر

في هذا الصدد، قال اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، الخبير العسكري الاستراتيجي، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إن دونالد ترامب جاء إلى الشرق الأوسط لتحقيق السلام، فإذا غادر دون تحقيق ذلك ستكون كارثة تحل على المنطقة، وكل التوقعات تشير إلى أنه يعمل على وقف إطلاق النار ودخول المساعدات إلى القطاع.

وأضاف خلال حديثه أن الرئيس الأمريكي لم يدعُ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال قمة التعاون الخليجي، مثلما حدث في الزيارة السابقة، خوفًا من الرفض المصري. لكن مصر هي بوصلة السلام في المنطقة، وهي التي أدارت اتفاق وقف إطلاق النار، وهي ترعى المفاوضات التي جرت خلال الفترة الماضية، وبالتالي كل ما يفعله الرئيس الأمريكي هو أن يأمر إسرائيل بالموافقة على المقترح المصري.

وأشار إلى أن مصر قدمت 15 اسمًا فلسطينيًا هم من يديرون قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، كما وضعت خطة إعادة الإعمار، وبالتالي نستطيع القول إن مصر هي الكل في الكل، ولن يتحقق السلام والاستقرار في قطاع غزة إلا بوجود مصر.

تهميش نتنياهو

انتشرت تقارير خلال الفترة الماضية تشير إلى وجود خلاف بين نتنياهو وترامب، إذ عمل ترامب على تهميش نتنياهو خلال زيارته للشرق الأوسط، كما لعب دورًا في التفاوض مع الحوثيين في اليمن من طرف واحد دون الرجوع إلى إسرائيل، وكذلك التفاوض مع إيران، وهو أمر لا يروق لتل أبيب. كلها أمور تشير إلى وجود خلاف بين الثنائي وإن لم يكن ظاهرًا، كما نشرت "أكسيوس" الأمريكية.

في هذا الصدد، قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الهدف الأساسي من زيارة ترامب للشرق الأوسط تجاري واقتصادي واستثماري، والهدف الثاني هو تحقيق أعلى نسبة من التعاقدات مع الشركات الأمريكية للاستثمار في الدول الثلاث، والهدف الثالث هو بيع أكبر قدر من الأسلحة، وبيع طائرات من نوع "بوينغ"، والذي وصل إلى 160 طائرة، وهو رقم غير مسبوق للشركة، بجانب تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية مع دول الخليج.

مساعد وزير الخارجية: ترامب جاء للشرق الأوسط دون خطة

وأضاف مساعد وزير الخارجية في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أنه على الجانب السياسي، كان التشاور مع دول الخليج استكمالًا لعدد من القضايا، من بينها النووي الإيراني والتوصل لاتفاق، ما يعني أن أمريكا لا تؤيد المطالب بضرب إيران. كما تناولت الزيارة قضايا قطاع غزة واليمن والسودان تناولًا سريعًا وغامضًا، وهي عبارة عن جمل سريعة وعابرة، وليس هناك خطة واضحة لإنهاء الحرب في غزة.

وأشار رخا إلى أن هناك رسائل غير مباشرة من ترامب لنتنياهو، ولعل أولها استقبال أحمد الشرع، الرئيس السوري، ورفع العقوبات عن دمشق، فيما يعني أنه ليس نظامًا إرهابيًا كما يعتقد نتنياهو، ويجوز التعاون معه. وهذه خطوة طالبت بها الأمم المتحدة ودول أوروبا. ولكن بالنسبة لحرب غزة، فإن المباحثات الجارية تسير في إطارين: أولهما استمرار إسرائيل في الضرب والقتل، والثاني هو استمرار المفاوضات، مع المطالب الإسرائيلية بالاهتمام بالأسرى، كما تم مع الأسير الأمريكي.

وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق أن ترامب لم يُدلِ بتصريحات ذات مدلول عملي، لأن في النهاية من ينفذها هو نتنياهو، وبالتالي لا بد من التشاور معه للتوصل لاتفاق. ربما يتشاور ترامب مع اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل عقب عودته إلى واشنطن، لأنهم القوة التي ساندته في الانتخابات.

المرسي: إدخال إسرائيل في التفاوض مع الحوثيين يعني الفشل المسبق

فيما علّقت الدكتورة شيماء المرسي، مديرة وحدة الرصد والترجمة بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، أن التشاور الأمريكي مع الحوثيين بشكل منفرد دون إسرائيل يمثل تغيرًا استراتيجيًا ضمنيًا في أولويات السياسة الأمريكية تجاه اليمن. لماذا؟ لأن الحوثيين لا يعترفون بإسرائيل كدولة، وبالتالي إدخال تل أبيب في قنوات التشاور يعني الفشل المسبق لها. هذا أولًا. ثانيًا، الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن وقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر لن يتم عبر التنسيق مع إسرائيل، بل من خلال منح جماعة الحوثي مكاسب رمزية، خصوصًا وأن الإدارة الأمريكية ترغب في تخفيف الضغط على حركة التجارة العالمية، لاسيما مع اقتراب موسم الانتخابات، وتزايد ضغوطات الاقتصاد الداخلي. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل نقطة الخلاف الجاري بين ترامب ونتنياهو وتكرار هجمات الأخير على إدارة ترامب، بما في ذلك الحزب الديمقراطي، الأمر الذي يزعجه ويشوش مظهره الإعلامي المتوازن أمام اللوبي الإسرائيلي. لذلك، فإن هذا الخلاف يُعد عاملًا مساعدًا، لكنه ليس سببًا مباشرًا لإبعاد إسرائيل عن قنوات التشاور مع الحوثيين.

باحثة في الشأن الإيراني: أمريكا لم تتوقف يومًا عن التفاوض مع إيران

وأضافت المرسي في تصريحاتها لـ"بلدنا اليوم"، أن الولايات المتحدة لم تتوقف يومًا عن التفاوض غير المباشر مع إيران، عبر وسطاء مثل سلطنة عمان أو قطر. إلا أن ما يميز التفاوض الجاري هو سعي ترامب إلى الوصول لتفاهمات ضمنية مع طهران، بهدف تهدئة الجبهات المرتبطة بها، وعلى رأسها جماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، والفصائل المسلحة في العراق. في المقابل، تطمح إيران إلى حماية برنامجها النووي من التهديدات الإسرائيلية، إلى جانب تسهيل الإفراج عن الأموال المجمدة، وتخفيف القيود المفروضة على صادراتها النفطية.

باحثة: ترامب يعمد إلى تهميش نتنياهو مؤقتًا

وتابعت: ترامب يعمد إلى تهميش نتنياهو مؤقتًا، في ضوء تعارض المصالح الإسرائيلية الحالية مع أولويات الأمن القومي الأمريكي. فإدارة ترامب، في مستهل ولايته الرئاسية الثانية، تسعى إلى احتواء التصعيد الإقليمي وتجنب انزلاق الحرب في غزة إلى مواجهة أوسع تشمل أطرافًا مرتبطة بإيران مثل الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والفصائل المسلحة في العراق.
هذه المقاربة تأتي في إطار أولوية أمريكية واضحة: تحقيق تهدئة إقليمية تتيح التركيز على ملفات استراتيجية كبرى، مثل المواجهة مع الصين وروسيا، وتفادي استنزاف جديد في أزمات الشرق الأوسط.
إلى جانب ذلك، تسعى إدارة ترامب إلى تسجيل إنجاز ملموس في السياسة الخارجية يعزز صورة ترامب كـ"قائد يعيد الاستقرار" في بداية ولايته، بما يخدم أهدافه السياسية داخليًا.

من هذا المنطلق، إذا استمر نتنياهو في عرقلة مسارات التهدئة ورفض المبادرات المطروحة، سواء من واشنطن أو من وسطاء إقليميين كالقاهرة (مثل مقترح ويتكوف)، فقد يجد نفسه في مواجهة سياسية مباشرة مع إدارة ترامب، كما حدث سابقًا خلال مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015 في عهد أوباما.

تأتي هذه الديناميكية في وقت يعاني فيه نتنياهو من ضعف حكومي داخلي، وتراجع شعبي، وضغوط دولية متزايدة، ما يحد من قدرته على فرض شروطه على واشنطن كما كان في السابق، لا سيما مع التحولات داخل الإدارة الأمريكية وإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية.

بالتالي، لا يُنظر إلى تهميش نتنياهو كخطوة عدائية أو شخصية من جانب ترامب، بل كخيار استراتيجي محسوب، تفرضه الضرورة لضمان تهدئة سريعة في غزة، ومنع تحول النزاع إلى صراع إقليمي أوسع في لحظة لا ترغب فيها الولايات المتحدة بتوسيع انخراطها العسكري في المنطقة.

تم نسخ الرابط