مشروع صرف صحي صراوة بالمنوفية.. حلم يتحول إلى كارثة تناشد بالحل (صور )
عاشت قرية صراوة التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، لسنوات طويلة في انتظار مشروع الصرف الصحي الذي يمثل طوق نجاة لأهاليها من معاناة بيئية وصحية متكررة، فبعد سنوات من المطالبات والمراسلات، أُعلن أخيرًا في عام 2019 عن بدء تنفيذ مشروع الصرف الصحي بصراوة، بتكلفة تقديرية أولية بلغت 75 مليون و150 ألف جنيه، على أن تنفذه شركة حلوان للصناعات المتطورة بالتعاون مع هيئة مياه الشرب والصرف الصحي، في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات، غير أن الحلم المنتظر تحوّل إلى مصدر قلق وخطر داهم بعد أن شهد الموقع هبوطًا أرضيًا مفاجئًا أدى إلى انهيار سور المدرسة المجاورة وتصدع بعض مبانيها، وهو ما أثار غضب الأهالي وفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ما جرى خلف الكواليس.
تفاصيل البداية والانهيار
بدأ التنفيذ رسميًا بعد توقيع البروتوكول في 1 أبريل 2019، وتم استلام الموقع خاليًا من العوائق في 3 يوليو من العام نفسه، فيما تم توقيع المحضر الانضمامي في 23 ديسمبر 2019، تلاها أعمال الجسات في 18 نوفمبر 2019 ، لكن أثناء أعمال التغويص الخاصة ببيارة المشروع، حدثت انهيارات في التربة المحيطة بالموقع، تسببت في هبوط أرضي واسع امتد تأثيره إلى المدرسة المجاورة، ما أدى إلى سقوط سورها وظهور شروخ وتصدعات في غرفة الأمن، توقف العمل على الفور، وشُكلت عدة لجان هندسية متخصصة للوقوف على الأسباب الفنية وراء الكارثة.
اللجان تكشف القصور
أثبتت التقارير الميدانية الأولية أن الهبوط الأرضي لم يكن حادثًا عرضيًا، بل نتيجة قصور واضح في الدراسات الجيوتقنية للموقع، فقد تبين أن التربة بالمنطقة طينية مفككة (طمى مفكك)، ولم تؤخذ هذه الطبيعة في الاعتبار أثناء التصميم، كما أن منسوب المياه الجوفية مرتفع للغاية نظرًا لقرب الموقع من فرع النيل بمسافة لا تتجاوز 500 متر، وهو ما زاد من ضعف التربة وعدم تحملها لعمليات التغويص، كما كشفت اللجان عن خطأ في تصميم خوازيق السند، مما جعل أعمال الحفر العميق تتم في بيئة غير آمنة.
المركز القومي لبحوث الإسكان يدخل على الخط
وبعد تعدد التقارير من خمس جهات بحثية مختلفة، تم إحالة الملف إلى المركز القومي لبحوث الإسكان والتعمير، الذي أوفد لجنة علمية متخصصة لمعاينة الموقع على الطبيعة، وبحسب تقرير المركز، فإن الحل الأمثل لتجنب تفاقم الوضع هو إجراء حقن للتربة الرملية حول البيارة باستخدام مواد تثبيت متخصصة، لضمان استقرار الأرض وحماية المنشآت المجاورة من أي هبوط مستقبلى، وقد أوصى التقرير أيضًا بضرورة إعادة دراسة التصميم الإنشائي للبيارة بما يتناسب مع طبيعة التربة والمياه الجوفية.
الحلم انقلب كابوسًا
التقينا بعدد من أهالي القرية الذين عبروا عن غضبهم واستيائهم مما حدث، يقول الحاج سيد عبدالمعبود، أحد سكان المنطقة القريبة من موقع المشروع:إحنا استنينا المشروع ده سنين طويلة، كنا فاكرينه هيخلصنا من الطفح والمجاري، لكن اللي حصل خوفنا أكتر، البيوت اللي حوالين الموقع كلها بدأت تتشقق، والمدرسة اتخرب سورها، أما أمينة محمود، ولي أمر طالبة بالمدرسة المتضررة، فقالت: كنا بنخاف نودي ولادنا المدرسة بعد ما السور وقع، وكل يوم نسمع إن في هبوط جديد عايزين الأمان قبل أي حاجة، فيما أكد الحاج رمضان محمد، أحد كبار القرية: المشكلة مش في العمال، المشكلة في الدراسات، اللي صمم المشروع ما حسبش إن الأرض دي طينية والمياه تحتها قريبة، وكان لازم دراسة أدق من كده قبل ما يبدأوا الحفر.
المسؤولون يردون: الإصلاح قادم
من جانبه، أوضح مصدر مسؤول بهيئة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية، أن الهيئة تحركت فورًا عقب الحادث، وتم تشكيل لجنة فنية عاجلة لبحث الموقف، مضيفا ان ما حدث بالفعل مؤسف، لكن الهيئة لم تتجاهل الأمر، تم تكليف المركز القومي لبحوث الإسكان بإعداد تقرير علمي، وبناء عليه تتم حاليا عملية الحقن وإعادة تأمين الموقع بالكامل قبل استئناف الأعمال، كما أكد أن الهيئة ملتزمة بتنفيذ المشروع وفق معايير السلامة، مشيرًا إلى أنه سيتم استلام أي جزء من المقاول إلا بعد التأكد من سلامة التنفيذ والتربة .
خبراء الهندسة: الخطأ في البداية
في تعقيب هندسي، أوضح عدد من أستاذة الهندسة الجيوتقنية، أن المشروعات التي تُنفذ في مناطق طينية أو قريبة من مجاري مائية تحتاج إلى دراسات تربة دقيقة تمتد لعدة مراحل، وفي قرية حالة صراوة، كان يجب إجراء جسات عميقة وتحليل منسوب المياه الجوفية بدقة قبل تحديد نوع الأساسات أو الخوازيق، علاوة على أن إغفال هذه الخطوة يجعل أي مشروع عرضة للفشل قبل أن يبد، مضيفا أن الحل الهندسي المقترح بالحقن مناسب ومؤقت، لكنه لا يغني عن إعادة التصميم بما يتلاءم مع خصائص التربة الفعلية.
المدرسة المتضررة : انتظار الترميم
في سياق متصل، طالب الاهالى بضرورة سرعة ترميم السور وغرفة الأمن حفاظًا على أرواح التلاميذ والعاملين، وقالوا أن المدرسة على بعد أمتار من البيارة، والهبوط الذى حدث أثر على أساسات السور، وفى أنتظار لجنة هندسية تعيد تقييم الوضع وتبدأ أعمال الإصلاح .
المخزن يتحول لمقلب قمامة
تحولت القطعة التي يقوم بها المقاول بتخزين المواد الخام والحديد وغيرها من ادوات وخامات إلى مقلب للقمامة دون أن يكون هناك اى أعتراض وهو ما جعل المنطقة مليئة بالامراض نظرا لانتشار الحشرات بتلك المنطقة بشكل ملحوظ دون ان يكون هناك اى تحرك من أى مسئول .
الأسمنت يلعب عليه الاطفال
تحولت كميات الأسمنت التي قام المقاول بوضعها في أحد جوانب الطريق إلى ملعب للاطفال يلعبون عليها ويلهون ويقومون بتقطيع الشكائر والتى تقع على الارض دون أن يكون هناك اى محاسبة او حراسة لتلك الكميات من الأسمنت وهو الأمر الذى يزيد من الأعباء على المواطنين من رفع التكلفة أو المقابل لتلك الخامات .
أهالي القرية : نريد مشروعًا آمنًا لا شكلاً على الورق
رغم ما حدث، لا يزال الأهالي متمسكين بحقهم في تنفيذ مشروع الصرف الصحي، لكنهم يشددون على ضرورة الشفافية والدقة في الدراسات والتنفيذ، ويقول أحد الشباب من القرية: إحنا مش ضد المشروع، بالعكس محتاجينه، بس عايزينه يتعمل صح اللي حصل درس لازم نتعلم منه، علشان ما نعيشش الكارثة تاني .
التنمية لا تتحقق بالإسراع بل بالدقة
قضية مشروع صرف صراوة تكشف عن خلل في مرحلة الدراسات الأولية والتصميم، وهو ما جعل الحلم يتحول إلى أزمة كادت تتطور إلى كارثة حقيقية، ومع التحرك الحالي من الجهات المعنية، يبقى الأمل أن تتحول هذه الأزمة إلى نقطة انطلاق لتصحيح المسار، وأن يكون المشروع نموذجًا لتكامل الجهود بين الجهات التنفيذية والبحثية من أجل تحقيق تنمية آمنة ومستدامة.
