موجة غلاء أم فترة تشكيل للاقتصاد؟
موجة غلاء أم فترة تشكيل للاقتصاد؟.. خبراء يجيبون
يظنّ الجميع أننا لوهلة نعيش حالة غلاء فاحش، ويعتقدون أن هذه الفترة هي أصعب الفترات المادية التي يمرّ بها المواطنين، لكن هل هي بالفعل موجة غلاء، أم فترة تشكيل للاقتصاد المصري؟ هذا السؤال يراود الكثير، بل الجميع، كأنهم يفكرون في كل دقيقة: لماذا تتزايد الأسعار؟ لماذا تبدو الأجواء الاقتصادية خانقة؟.
فترة تشكيل اقتصادي جديدة
القلّة فقط هي من تفكر بأن هذه الحالة قد تكون فترة تشكيل للاقتصاد وعليه، أجبنا عن هذا السؤال العميق الذي يشغل بال ملايين المواطنين، بالاعتماد على خبراء ومتخصصين، إضافة إلى بيانات صادرة عن أجهزة الدولة تُفيد بأنه لا يوجد غلاء حقيقي، بل إنها مجرد مرحلة انتقال اقتصادي فعلي.
إن الغلاء في مصر، أو في دول العالم عمومًا، أمر طبيعي وليس مخيفًا بالشكل الذي يتصوره بعض الأشخاص، خاصة أنه غالبًا ما يزداد في المراحل التي تشهد فيها الدولة تطورات فعّالة وتحركات تؤدي إلى انتقال اقتصادي حتمي.

سيناريو أزمة كورونا ومواجهة الدولة
وفي أزمة كورونا، ووسط اضطرابات تجاوزت تصوّرات الجميع، ما بين من يعتقد أنها نهاية العالم ومن يراها ضربة قاضية لن يفيق العالم منها، ظهرت لنا الدولة المصرية بصلابتها وقدرتها على التصدي للأزمة، ورغم الارتفاع الكبير في معدلات التضخم خلال تلك الفترة، تمكنت مصر من تجاوزها، وبدأ بعدها التراجع التدريجي الذي لم يتوقعه الكثيرون.

معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف
ومع هذا المفترق الاقتصادي بالغ الأهمية، يبرز سؤال آخر: هل التضخم في العام المالي 2025-2026 هو ما شكّل هذا الارتفاع والغلاء الكبير؟ وهل هي بالفعل مرحلة انتقالية أم بداية لحقبة اقتصادية جديدة؟
ليجيب مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، بأن السياسات النقدية المتحفظة التي تبناها البنك المركزي في الفترة الحالية جعلت استقرار سعر الصرف أمرًا محوريًا ورئيسيًا في تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق الخطط المستهدفة من قبل الحكومة.
وأضاف بدرة في تصريحات صحفية أن ذلك جاء بفضل دعم الدولة لعدد من السلع الأساسية، ما خفّف من حدّة ارتفاع الأسعار رغم الأزمات الخارجية التي أثرت بشكل كبير على حالة الاقتصادين المحلي والعالمي.

زيادة الإستثمارات الإماراتية في الدولة
وعلى الجانب الآخر، ظهر النفوذ الإماراتي الذي بات يتغلغل بالخير في قطاع الاستثمار، ليشكل مرحلة جديدة في ظل صفقات امتياز طويلة الأجل، ساهمت في خلق حالة كبيرة من الرفاهية في جذب الاستثمار وضمان السيادة الاقتصادية. وقبل الصفقة الإماراتية الأخيرة، كانت الدولة قد عقدت واحدة من أكبر الاتفاقيات على مشارف الموانئ، بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية المملوكة للصندوق السيادي الإماراتي من أجل تطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية كبرى "كيزاد شرق بورسعيد".
هل غلاء أم فترة تشكيل اقتصادي؟
وفي السياق ذاته، يرى رضا لاشين، الخبير الاقتصادي، أن ما تشهده الأسواق ليس غلاءً بالمعنى الدارج، بل هو إعادة ضبط لمسار اقتصادي جديد بعد سنوات من الضغوط العالمية التي أثرت على الأسواق المحلية والعالمية، موضحًا أن التحولات الجارية وجذب صفقات الاستثمارات الضخمة من مختلف الدول تمثل مفترقًا جديدًا في الاقتصاد المصري.
وأضاف لاشين في تصريحات لـ"بلدنا اليوم"، أن السياسات في الوقت الحالي تستهدف دعم الصناعة المحلية، وتعمل على تحفيز التصدير، وتذليل كافة العقبات أمام المستثمرين، وغير ذلك من الجوانب التي سرعت من عجلة الاقتصاد المصري، تماشيًا مع رؤية الدولة الاستراتيجية 2030.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الصفقات الإماراتية والقطرية الأخيرة عززت من عجلة الاقتصاد المصري، وتمكنت من التوسع في المشاريع الضخمة التي تساهم في زيادة الإنتاج وتشغيل العمالة، وغير ذلك من العوامل الإيجابية الأخرى.
وبعد هذا التحليل العميق، فإن الإجابة الواضحة والصريحة هي أن مصر تقف على أعتاب فترة انتقالية شديدة الحساسية، تتشابك فيها مختلف العوامل الداخلية والمتغيرات العالمية، التي تجعل الأوضاع ضاغطة على المواطنين، لكنها في الوقت ذاته تحمل بوادر تحول اقتصادي غير عادي.