محمود صلاح يكتب: يا فرحة سيادة «النايب» بالصوت الخايب !
أن تكون مرشحًا لعضوية مجلس النواب، فيجب أن تحلل جمهورك أولًا، من يكونوا، وما مدى ثقافتهم، وماذا يحتاجون منك، ولماذا ينتخبونك، وماذا ستقدم لهم.. تساؤلات يراها العقلاء مشروعة ويراها المخلصون ميثاقا غليظا ونبراسا يهتدون به طوال سنوات الحصانة لأنه لا حصانة في نقض العهود.. ويراها الجاهل بضع كلمات يسرق بها ما ليس له وكأنما أخذها-العضوية- بسيف الحياء فأصبحت حراما يأكله طوال سنواته.
من بين التساؤلات السابقة سأتوقف عند سؤال واحد، وهو مدى ثقافتهم، لأنه هو المعيار الأهم في اختيار الشخص الأنسب لتمثيلي تحت قبة البرلمان، أن تكون مثقفا ولو بعض الشيء حينها ستكون لديك القدرة على الاختيار الأنسب.
من واقع تجربة، فمن ضمن الأشياء التي تخدم المرشح الذي يتحول لنائب فيما بعد، هي أن تكون غالبية دائرته من غير المثقفين سياسيا وربما اجتماعيا أيضا، أو بمعنى حتى وإن سلكوا طريق الجامعات وحصلوا على المؤهلات، لأن المتعلم ليس شرطا أن يكون مثقفا، فالثقافة تنمو بالاحتكاك والتجارب والقراءة الحرة.. لذا فهم الفئة الأسهل والتربة الخصبة التي يتلقاها النائب بصدر رحب، لأنه ببساطة يستطيع اقناعهم بأقل الإمكانيات.
هذه الفئة من المجتمع أحلامهم بسيطة، لا يطمحون في العيش برفاهية توازي سكان القصور، لكن لربما يطمحون إلى بناء وحدة صحية أو رصف طريق أو استخراج تصرح دفن في بعض الأحيان، لذلك لا يحتاج النائب معهم إلى أي مجهود، لا يحتاج التحدث بالفصحى، ولا اللباقة في الكلام، ولا حتى حفظ الدستور والمواد القانونية، لأنه لن يتلقى سؤالا أبدًا في مثل هذه الأشياء.
هذه الفئة على الرغم من طيبتها وحُسن نواياها ومعدنها الأصيل، إلا أنها دائما تثير القلق وتتيح الفرصة إلى بعض الفاسدين في الوصول إلى أماكن لا يستحقونها.
إن بيع الصوت بالمال أو بالانتماء القبلي وربما الانتماء الجغرافي، من أسوأ الموبقات التي قد يفعلها إنسان حر، مكلف، عاقل، في نفسه وفي أسرته وفي وطنه.. هي إهانة لإنسانيته وانتقاص من حقه الذي يكفله له القانون والدستور.
هناك العديد من المخالفات التي رصدت خلال الانتخابات، بشراء الأصوات، مقابل الأموال ومقابل السلع وغيرها، ولكن المفارقة أن من يقبل بهذه الأشياء ويتصدرون المشهد دائما هم فئة يتم استغلالها من أصحاب المال السياسي دون أن يفطنوا لذلك.
أؤكد وأنا على يقين أنك ربما رأيت شابا جامعيا، أو دكتوراً أو مهندسًا أو صحفيا أو أي كانت وظيفته، أو لم يكن موظفا لكنه حصل على مؤهل جامعي يقبل بأن يبيع صوته مقابل بضع جنيهات.. التعليم وحدة لا يكفي فالثقافة والمعرفة أهم وأبقى، فكلاهما في عقل المتعلم يؤدون إلى وطن مفعم بالنمو والحيوية وبالتالي تغيير الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للجميع.
وجب تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية التي تحدث عنها عقب الفيتو الذي اتخذه تجاه المخالفات التي حدثت في الانتخابات، وهي التثقيف والوعي وعدم الانسياق وراء الفاسدين الذي يستغلون الفئات المطحونة من أجل تحقيق أغراضهم، وهذه ليست مسؤولية الجهات المعنية فقط، لكن مسؤولية كل مثقف ومتعلم في بلدته وفي أسرته أو كل شخص مؤهل للحديث بصدق وبحب لهذا الوطن.