دكتورة إلهام يونس تكتب: عذرًا.. أوائل الثانوية العامة

نشرت في جريدة الأهرام منذ أربع سنوات مقال بعنوان "النجومية الرقمية الزائفة"، وأشرت في هذا المقال إلى الفرق بين النجومية الزائفة والنجومية البناءة وعرضت المقالة معنى النجومية الرقمية بمدلولها الزائف والمنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أن أصحابها لديهم قدرة غير طبيعية على اختراق العقول وإعادة ترتيب الاهتمامات فهم خبراء في بيع الوهم وإغراق الجمهور في طوفان من التفاهة والسطحية؟
يزعجني جدًا ما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام خاصة بعد نتيجة الثانوية العامة وجدت نجوم زائفة تلمع على صفحات الغالبية العظمى من الجمهور أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي. نجوم زائفة صعدت بشكل وهمي ، فتواجدها بقوة على ألسنة الجمهور يعكس حالة الانحراف أو الانحدار الثقافي والقيمي، ولم يقتصر الأمر على تصعيد هذه الرموز ولكن الأمر الأشد صعوبة هو تجاهل النجوم الحقيقية فلم نلحظ أوائل الثانوية العامة في البرامج أو على الصفحات الرسمية أو في اجتماع رسمي أو تم منحهم مكافآت من رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني.
لقد كنا حتى وقت قريب نشهد تكريم هؤلاء النوابغ في محافل عدة. وتقام لهم الحفلات في النوادي وتعقد لهم حلقات في برامج التوك شو الرئيسية. وكانت أسمائهم تكاد تكون محفوظة عند غالبية الجمهور، وكنا نستمتع بقصص النجاح وبالنماذج المضيئة التي تضع روشتة نجاح وتفوق للجيل الذى سيلحق بها فقد كانت بمثابة نموذج القدوة الحسنة وحلم لكل طالب سيأتي إلى نفس المرحلة لاحقًا.
أما الآن ونحن في زمن اختلفت فيه معايير النجاح وتبدلت موازين القدوة المجتمعية.. فلا أحد يعرف اسم طالب واحد من هؤلاء الأوائل قدر ما يعرف اسم "سوزي" تلك الفتاة التي أطلت على المجتمع المصري بأغرب الألفاظ وأسوء التصرفات فبدل من أن يلفظها المجتمع ويرفع النماذج المشرفة.. رفعها التك توك وصعدها إلى عالم الفن والشهرة والمال.
وكأن ما يحدث هو ترجمة فعلية لتبدل المعايير وضياع قيم النجاح والتفوق وسط ملهاة السوشيال ميديا بل وغياب الوعي المجتمعي بأهمية النجاح والتفوق وكأن المجتمع يكتب اعتراف بأن أصحاب المهن المرموقة لن يحصلوا على عائد مادي مبهر مثل صناع التفاهة والانحلال الأخلاقي والانحدار القيمي، ويطلق دعوة صريحة للشباب بالانجراف وراء التفاهة ونشر كل ما هو غريب ومنبوذ من المجتمع حتى تلقى قبولًا ورواجًا يمكنك من الحصول على راتب مجزى بل وترك المسار الطبيعي للنجاح وبناء مجتمع واعٍ.. أفيقوا يرحمكم الله.