بعد شكرها مصر.. "إخوان لندن" تبحث عن حل لأزمتها بمناورة "المصالحة"

في مفارقة غير مسبوقة تزامنت مع التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بوساطة مصرية أمريكية قطرية تركية، أصدرت جماعة الإخوان - جبهة صلاح عبد الحق المعروفة إعلاميًا بـ "جبهة لندن" - بيانًا باسم القائم بأعمال المرشد شكرت فيه مصر على دورها للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وهذه المرة الأولى تقريبًا التي تُصرِّح فيها إحدى جبهات الجماعة المنقسمة على ذاتها والمتصارعة بشكر مصر أو الثناء عليها منذ الإطاحة بها من الحكم في مصر في يوليو 2013.
تباين اللغة الخطابية في بيانات الإخوان
وأتى البيان في لحظة فارقة، تجلى فيها الانقسام الإخواني مجددًا، فالجماعة المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول والتي انقسمت إلى 3 جبهات متفرقة، قبل سنوات، أصدرت كل جبهة منها بيانًا عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والموقع في 9 أكتوبر الجاري، فهاجمت أولها، وهي جبهة محمود حسين المعروفة إعلاميًّا بجبهة إسطنبول، مصر ضمنيًّا، واعتبرت أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كشفت كل الحكام والمحكومين، بتعبير البيان الصادر عنها.
أما الجبهة الأكثر راديكالية المعروفة بجبهة المكتب العام أو تيار التغيير، والتي تمثلها الأمانة العامة لجماعة الإخوان، فأصدرت بيانًا دعت فيه لمهاجمة مصر والعمل ضدها عسكريًّا؛ من أجل إسقاطها وكل الدول العربية، متهمةً إياها بالتعاون مع تل أبيب، وهي نوعية من البيانات ذات اللغة التحريضية التي تستخدمها الجبهة لجمع المجموعات الأكثر تشددًا داخل الإخوان حولها.
وبمقارنة هذه البيانات مع البيان الصادر عن جبهة صلاح عبد الحق (جبهة لندن) مع غيرها من جبهات جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، يُلاحَظ أن هناك تباينًا واضحًا في اللغة الخطابية بشكل غير مسبوق في بيانات الإخوان، فحتى جبهة لندن نفسها دأبت على انتقاد ومهاجمة مصر في بياناتها الصادرة عن متحدثيها الرسميين أو قادة الجبهة، وعلى رأسهم القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق.
وبالطبع لم يقتصر هذا التغير في اللغة الخطابية على البيان الأخير الصادر عن جبهة لندن/ صلاح عبد الحق، ففي ذكرى انتصار أكتوبر 1973 أصدرت الجبهة الإخوانية بيانًا مطولًا مدحت فيه الجيش المصري والعسكرية المصرية، وهذه البيانات غير معهودة، لا سيما أنها مثلت انقلابًا في وصف ولغة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، المستخدمة في التعاطي مع الدولة المصرية ومؤسساتها.
مناورة المصالحة المرفوضة
ولا تنفصل هذه التغيرات الحاصلة في اللغة الخطابية لجماعة الإخوان- جبهة صلاح عبد الحق (لندن) عن تسريبات أخرى تذكرها مصادر مقربة من جماعة الإخوان، إذ تسعى الجبهة لإحداث أي اختراق في محاولات الصلح مع الدولة المصرية، وهو المبدأ الذي أكدت القاهرة على رفضه في أكثر من مناسبة.
وسبق أن طرح رئيس المكتب السياسي (السابق) لجماعة الإخوان حلمي الجزار مبادرة المصالحة، في لقاء له بقناة فضائية بريطانية شهيرة، قائلًا إن الجماعة منفتحة على أي تفاهم أو اتفاق يُنهي الأزمة الحالية مع الدولة المصرية. وهذا الطرح جاء بعد لقاءات أجرتها الجماعة سرًّا من صحفي وباحث مصري عمل لسنوات طويلة على ملف الإخوان ومعروف أن له علاقات جيدة بحكومات عربية، منها مصر بالتأكيد. وهذه المبادرة لم تستجب لها الدولة المصرية.

محاولات العود للعمل المجتمعي وإطلاق السجناء
وعرضت جماعة الإخوان أن تعتزل العمل السياسي لمدة 10: 15 سنة مقابل أن تسمح لها الدولة المصرية بالعودة للعمل المجتمعي، وأن تُطلِق سراح سجناء الجماعة. وهذه المبادرة المرفوضة حاول الإخوان عبر جبهة لندن إحياءها من جديد خلال الفترة الأخيرة بالتواصل مع دبلوماسيين عرب وأجانب والطلب منهم أن يتوسطوا لدى القاهرة كي تقبل بفكرة التفاوض مع الإخوان؛ من أجل الوصول إلى اتفاق بين الطرفين. وهذا ما سبق أن أكدت الدولة المصرية رفضه في كل مناسبة ممكنة.
ويبدو أن البيانات الأخيرة التي تُصدِرها جبهة لندن هي جزء من المناورات الإخوانية المتكررة من أجل بحث تحقيق اختراق جديد في العلاقة مع الدولة المصرية، وهي العلاقة التي يحكمها العداء بحكم التطورات والأحداث السياسية التي شهدتها مصر منذ عام 2013 وحتى الآن.
براجماتية لا تنفصل عن الجماعة
وعلى ذكر هذه التطورات، فإن دفع جبهة لندن في اتجاه المصالحة والتودد إلى مصر هو نوع من البراجماتية التي لا تنفصل عن الجماعة، والتي تؤكد أن الجماعة تقرُّ بهزيمتها في معركتها مع الدولة المصرية، وتحاول العودة إلى الماضي للبحث عن أي تفاهم ممكن معها، كما اعتادت أن تفعل مع نظامي الرئيس أنور السادات وخلفه الرئيس حسني مبارك.
وتبرهن الأوضاع الحالية داخل جماعة الإخوان على أنه لا يمكن الوثوق بها من قبل الدولة المصرية، ففضلًا عن انقلابها على أي تفاهمات أو اتفاقات تُعقَد أو نقضها لها في أقرب فرصة ممكنة، ما تزال الجماعة منقسمة على ذاتها، فالجبهات الثلاث لا تتفق على قيادة أو على إطار تنظيمي للعمل الحركي، وكل منها تعتبر أن الأخرى منشقة عن جماعة الإخوان الأصلية ولا تمثلها؛ ومن ثم فإن طرح فكرة التفاهم أو الاتفاق مع الجماعة في حال التسليم به أصلًا - وهو مبدأ مرفوض من الدولة المصرية كما أسلفنا - سيكون نوعًا من المغامرة؛ فالجبهات الأخرى لن تعترف بأي تفاهم، وستسعى لتكثيف عملها ضد مصر لإجهاض أي تفاهم مستقبلي.
ولعل إدراك هذه المحددات وغيرها جعل الدولة المصرية تتبنى موقف رافضًا لأي تقارب مع الجماعة، فبخلاف تصنيفها على قائمة الكيانات الإرهابية بحكم قضائي، فإن القاهرة تُدرِك أن الجماعة لن تفي بأي اتفاق معها، وأنها كذلك فقدت التأثير الفعلي على أرض الواقع؛ ومن ثم فإن التفاهم معها سيمنحها فرصة للعودة إلى العمل على أرض الواقع من جديد؛ مما سيتيح لها أن تعيد بناء نفسها من الناحية التنظيمية؛ وبالتالي ستُحيي آمال الجماعة وأهدافها التوسعية القديمة، وهذا الإدراك جعل الدولة المصرية لا تنخدع بخطابات التودد الإخوانية الصادرة مؤخرًا، والتي ليست في جوهرها سوى مناورة أخرى من أجل طرح فكرة المصالحة مع الجماعة التي سبق أن رفضتها الدولة المصرية بشكل قاطع.