بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

عصام التيجي يكتب: القاهرة تكتب حكايتها على السجادة الحمراء

عصام التيجي
عصام التيجي

حين تفتح السماء أبوابها على العالم ، وتفيض أنوارها لتغمر الوجود ، تتلألأ وجوه صُنّاع الفن تحت وهج عدسات الكاميرات ، وينبض قلب القاهرة بدفىءٍ ساحر تتلاقى فيه الثقافات وتتسابق فيه الإبداعات.

هنا ، يصبح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أكثر من مجرد احتفال بالسينما ؛ فهو منصة تحتفي بجمال الحياة ، برؤى الفنانين ، وبقوة الصورة التي تتجاوز الكلمات.

على السجادة الحمراء ، تتشابك قصص المبدعين ، وتلتقي الرؤى المحلية والعالمية ، لتصبح القاهرة لحظة سينمائية خالدة ، تكتبها العدسات وتحتفظ بها الذاكرة الثقافية لكل عاشقٍ للفن السابع ، الذي جمع بين فنون العالم المختلفة مثل العمارة والنحت والشعر والمسرح وغيرها ، لتتجسد جميعها في السينما المصرية والعالمية.

يُعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي واحدًا من أقدم وأهم المهرجانات في المنطقة العربية وأفريقيا ، إذ تأسس عام 1976 تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية ، بهدف تعزيز الثقافة السينمائية ، ودعم السينما العربية والدولية ، وتقديم منصة للمخرجين والممثلين وعشاق السينما لتبادل أعمالهم وخبراتهم.

ومن الكاتب والناقد الكبير كمال الملاخ ، أول رئيس للمهرجان ، مرورًا بالمخرج العظيم كمال الشيخ ، والناقد الكبير سعد الدين وهبة ، إلى الفنان العالمي عمر الشريف ، والمؤرخ والناقد سمير فريد ، والفنان عزت أبو عوف ، وصولًا إلى دنجوان السينما المصرية النجم المتجدد حسين فهمي ، الرئيس الحالي للمهرجان ، شهدت دوراته المختلفة حالة مستمرة من التجديد والإبهار ، تعكس التطور التكنولوجي السريع ، وتؤكد قدرة الإبداع المتفرد على مجاراة متطلبات العصر الحديث.

نوفمبر شهر السينما في قلب القاهرة

ومع حلول شهر نوفمبر من كل عام ، تستعيد القاهرة على ضفاف نيلها الخالد بهاءها السينمائي ، وتستحضر روحها التي لا تهرم ، لتصبح مدينة تستيقظ على بريق مهرجانها العريق ، حيث تتحول دار الأوبرا المصرية إلى ساحة ثقافية وإبداعية تمزج بين الأصالة والحداثة ، في مشهد يليق بتاريخ أقدم مدينة تصنع الحكايات.

بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير .. "القاهرة السينمائي" يؤكد دعمه لقضايا الأمة العربية.

في حفل افتتاح الدورة السادسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ، الذي حضره الوزير المثقف الدكتور أحمد فؤاد هنو ، وزير الثقافة ، إلى جانب كوكبة من نجوم مصر والعالم ، لم يكن الحديث عن السينما مجرد فن بصري جذاب ، بل تجاوز ذلك ليشمل قضايا الأمة العربية التي كان لمصر فيها حضور طاغٍ وموقف راسخ يعبّر عن ريادتها ودورها التاريخي ، إذ جاءت كلمة حسين فهمي بمثابة نبض المهرجان وروحه ، معبّرًا عن مصر كقلب نابض للتضامن العربي ، وعن السينما كلغةٍ توحد الثقافات وتُعظّم القيم الإنسانية المشتركة ، فيما تحدث وزير الثقافة عن المتحف المصري الكبير الذي تزامن مع افتتاح المهرجان ، مشيرًا إلى أنه ليس مجرد صرح أثري عالمي ، بل هو رسالة من مصر إلى الإنسانية كلها ، تؤكد قدرتها الدائمة على صون تراثها ، وصناعة مستقبلها بروح لا تنفصل عن تاريخها ، وأن مهرجان القاهرة والفعاليات الثقافية والفنية الكبرى التي تشهدها البلاد تعكس إرادة الدولة في جعل الثقافة جسرًا للتواصل الإنساني ، ومنارة للوعي والجمال.

إنها رسالة واضحة مفادها : القاهرة ليست مجرد عاصمة للسينما ، بل مركز يُقّدر الفن والوعي والتراث والوحدة بين الشعوب العربية.

ليلة السينما الكبرى .. عروض مبهرة وتكريم لنجوم الإبداع

وفي هذه الدورة ، يشارك بالمهرجان عدد من الأفلام العربية والدولية التي تعكس التنوع الثقافي والفني ، إلى جانب أفلام مصرية معاصرة ، فيما كرّم المهرجان شخصيات بارزة من السينما المصرية والعربية والعالمية ، مثل النجم خالد النبوي " جائزة فاتن حمامة للتميز" ، والمخرج الكببر محمد عبد العزيز " جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر" ، احتفاءً بمسيرتهم الفنية وإسهاماتهم في صناعة السينما.

ترميم الأفلام : مهرجان القاهرة وصون التراث السينمائي

وقد أدرك القائمون على المهرجان أن الاحتفاء بالسينما لا يقتصر على عرض الجديد فحسب ، بل يمتد ليشمل صون التراث السينمائي وإعادة الحياة إلى الأفلام التي شكلت وجدان أجيال كاملة ، فجاءت فكرة ترميم الأفلام ، حيث أطلقت إدارة المهرجان ، بالتعاون مع مركز ترميم الأفلام في مركز السينما المصرية ، ومؤسسات عالمية ، مبادرات لترميم نسخ نادرة من أفلام رواد السينما المصرية والعربية ، بعض هذه الأفلام كادت أن تندثر بفعل الزمن والإهمال ، ومن أبرز تلك الأعمال التي جرى ترميمها ، أفلام يوسف شاهين ، وصلاح أبو سيف ، وحسين كمال ، وغيرهم من كبار المخرجين الذين صنعوا هوية السينما المصرية ، وتُعرض هذه النسخ المرمّمة في قسم خاص داخل المهرجان تحت عنوان "كلاسيكيات مرمّمة" أو "ترميم ذاكرة السينما" ، لتتيح للجمهور والنقاد والمبدعين فرصة مشاهدة روائع الماضي بجودة عالية ، كما لو أنها وُلدت من جديد ، حاملة معها عبق التاريخ وروح الإبداع الخالد.

وهكذا ، يظلّ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي جسرًا يوحِّد الثقافات ، ويكرّم المبدعين ، ويؤكد أن القاهرة ستظل دائمًا قلب الفن النابض في المنطقة العربية ، تكتب حكايتها كل عام على السجادة الحمراء ، بحروفٍ من نورٍ عن إبداعٍ وتاريخٍ لا ينطفئ.

تم نسخ الرابط