عبد الله رشدي يكتب: الزواج من غير المحجبة

الثلاثاء 17 يوليو 2018 | 04:59 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

الحاصل أنه ليس في الشرع ما يُحَرِّمُ الزواج من غير المحجبةِ، وقد قلنا ذلك مراراً وتكراراً، كما أنه ليس وصفُ الديوثِ في الشرعِ منصرفاً لمن ترك امرأتَه دونَ احتجابٍ، وإنما الديوث في الشرع هو الرجلُ الذي يقبل الانحرافَ الخلُقي - والعياذ بالله - من زوجتِه، فلا يمكن وصف الرجال المتزوجين من غير محجبات بأنهم " دَيُّوثون" وإنما يوصف بذلك الرجلُ الذي يُقِرُّ الخبث -الفاحشة- في أهل بيته.

 

نعود للحجاب، فنقول هو فرضٌ بما تواتر من اتفاق المسلمين عليه حتى مَرَقَتْ مارِقةُ العلمنجِ الذين يريدون هدم ما عليه الأمة الإسلاميةُ جيلاً عن جيلٍ، ويريدون بالقوة أن يفرضوا على المسلمين خلافَ ما هو في كتبهم وقرآنهم.!

 

وإني لأعجبُ كيف يجترئُ الواحدُ منهم على أن يتجاهل كلَّ ما سطره مفكروا الإسلام واتفقوا عليه من وجوب الحجاب، وفقاً لكلام الله ورسوله، ثم ينبري مقرراً نسفَ كلِّ ذلك بفهمهِ السقيمِ وهواه اللئيمِ، وكم طلبنا منهم مرجعاً واحداً فقط يؤيد كلامهم فلا نجد، ولن يأتوا بذلك لأن الذي في كلِّ المراجعِ هو "وجوب الحجاب."

 

نعود إلى ما شرعتُ في الكتابةِ بصددِه وهو: هل يحرمُ على الرجلِ الزواجُ من امرأة عاصية في أمرٍ من الأمورِ الشرعية؟.

 

الجواب هو أنه لا يوجد لدينا نصٌّ عن سلفنا الصالح يحرِّمُ الزواجَ من العصاةِ، فالزواج له أركانٌ طالما تَمَّ بها فهو صحيح،ووجود المعصيةِ في أحدِ الزوجين ليس أمراً يجعلُ الزواجَ حراماً أو فاسداً..

 

إذن: هل يجبُ على الزوج أن يطلق زوجته غير المحتجبةِ؟

بعد أن قرَّرْنا صحة الزواج بشروطه وأركانه وعلمنا أن ترك الحجاب ليس من موانع صحة النكاح، فإنه كذلك لا يوجد نصٌّ يوجِبُ على الزوجِ تطليقَ زوجتِه غير المحجبة، بل له أن يعيشَ معها، إذ الإيجابُ والتحريمُ يكونان بنصوصٍ شرعيةٍ، وليس في كتابِ الله ولا سنة وسولِ الله ولا وردَ عن أحدٍ من سلفِنا الصالح الذين هم قدوتنا أيُّ نَصٍّ يُحَرِّمُ الحياةَ الزوجيةَ مع غير المحجبة، ونحن يَسَعُنا ما وَسِعَ سلفَ الأمةِ الذين نقتدي بهم، فمن لمْ يَسَعْهُ ما وَسِعَهم فلا وَسَّعَ الله عليه، ففرقٌ بين وجوبِ الحجابِ على المرأةِ، وبين صحةِ وجوازِ الزواجِ من هذه المرأةِ لو كانت مُقَصِّرَةً في هذا الباب، مادامَ إقرارُها على المعصيةِ مُنْتَفِياً.

 

ويحصلُ انتفاءُ هذا الإقرارِ بكون الزوجِ يأمرُها بالواجب، وينهاها عن المُحَرَّمِ، ويأخذُ في ذلك خُطُواتٍ فعليةً تدلُّ على عدمِ رضاه بذلك التقصير.

 

لكن هل يُعْتَبَرُ عَيْشُه معها اعترافاً منه بالمعصيةِ؟

يُعْتَبَرُ ذلك لو أنَّه أقرَّها على تبرجها، ولم يأمرها ويرشِدْها إلى ما أوجبَه اللهُ عليها من الحجابِ، أمَّا إذا كان الزوجُ قد بَيَّنَ لها حكم الشرعِ وأنَّه يريدُ لزوجتِه الخيرَ ويخافُ عليها أن تكونَ عُرْضَةً لعقابِ الله بسبب تقصيرها، ولذلك فهو دائم الأمر لها بما أمرَها اللهُ به دائمُ النهي لها عما نهاها الله عنه، لم يُقِرَّها على المعصيةِ ولم يَرْضَ عنها، فقد بَرِئتْ ذمَّتُه أمامَ اللهِ إن كان قد اتخذَ الوسائل لمنع ذلك، لكنَّ الزوجةَ لم تستجِب، فهنا لا شيءَ عليه، ولا يأمره الشرع الشريف بالتطليق رعايةً لبقاءِ الأسرَةِ، وإنما الأمرُ عائدٌ لرغبتِه وقدرَتِه على الاستمرارِ في الحياةِ من عدمِه.

 

على أنَّ استمرارَ الزوجِ في الحياة وقتها لا علاقة له بالدياثةِ في الشرعِ مادامتِ الزوجةُ مُحافِظَةً على شرفها، لا تَخرجُ بِزِيٍّ مُبتذلٍ يلفتُ الأنظارَ ويحرِّكُ الرغباتِ نحوها.

 

إذن وجوبُ الحجابِ لا يعني حرمةَ الزواج من غير المحجبات، كما أن الزواجَ من غير المحجبةِ لا يعني المشاركةَ من جهةِ الزوجِ  في المعصيةِ ما دامَ الزوجُ ناهياً عن المعصيةِ، وقد حاول المنعَ من وقوعِها، غيرَ راضٍ بها ولا مُقِرٍّ لها، إذ هو مسؤولٌ بين يدي اللهِ عن أهلِ بيتِه.