عبدالله رشدي يكتب: الخطاب الديني...تجديدٌ أم تبديد!؟

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 | 03:40 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

شكرا سيادة الرئيس على ما تفضلتم به اليوم من بيان المشكلة الحقيقية التي يواجهها العالم، فليس لدينا مشكلة في القرآن والسنة الصحيحة كما يزعم بعض المزايدون على الشرع، وإنما مشكلتنا في تلك الأفهام الخاطئة لنصوص الوحيين الشريفين اللذين هما الكتاب والسنة.

 

نعم...هناك مؤامرة....أذرعها معلومة، فنشهدهم يطلون علينا بين الفينة والأخرى....في محاولات مستميتة للربط بين العنف والدين، وعلى هذه الأذرع أن تستشعر الحرج من سماجة فكرها وضحالة منطقها -لاسيما بعد خطاب السيد الرئيس اليوم- فالصواب أن نربط بين العنف والفهم الخاطئ لنصوص الدين، لا أن نربط بين العنف والدين وكأن نصوصه هي الباعث على ذلك! إن الخلاف الفكري المشتعل هذه الفترة على الساحة العربية والإسلامية يتمثل في اتجاهين متطرفين يتحدان في الرؤية ويختلفان في التطبيق، هذان الاتجاهان في جانب والإسلام بسماحته ووسطيته ونصوصه الدينية في جانب آخر تماما.

 

حتى لا يكون الكلام ألغازا يحار القارئ في تفسيرها، فإنني بشيء من الوضوح أبين عبارتي السابقة فأقول: إن من يحاولون تشويه الدين فريقان، كلاهما يتفق على أن نصوص الدين تبرر القتل والإرهاب، وأن القاتل والإرهابي إنما هو منقاد بحق لما تفيده تلك النصوص، إلى هنا يتفق الطرفان ثم يختلفان بعد ذلك.

 

ففريق يرى وجوب تطبيق ذلك القتل والتخريب وهم دواعش العمل، وفريق يرى وجوب إنكار النصوص وتجميدها لأنها سبب الخراب والمحرك الأساسي للدمار وهم "دواعش الفكر" الذين يحاولون تمرير مشروعهم وتثبيت أفكارهم وراء ستر متلونة، تارة باسم التنوير وتارة باسم التجديد وثالثة باسم القرآنيين ورابعة باسم العلمانية! أريدك أخي القارئ أن تجمع شتات فكرك قليلا وأنت تقرأ هذه الأسطر لأتوجه إليك بهذا السؤال قائلا: هل مرت علينا أي عملية إرهابية إلا وكان هذا المشهد: يخرج الدواعش علينا بعد العملية الإرهابية مستدلين ببعض النصوص الدينية في إطار محاولاتهم لشرعنة بغيهم وإفسادهم وضلالهم ومروقهم، ثم يخرج بعدهم مباشرة المسمون بالتنويريين مبررين ومؤيدين لنفس المنطق قائلين: " ما هو داعش بتنفذ اللي في النصوص بتاعتنا!!!" هكذا وفي بجاحة منقطعة النظير يشهد هؤلاء العلمانيون-أو سمهم بماشئت- لهؤلاء الدواعش بأنكم على طريق تنفيذ النصوص سائرين، وأن فعالكم هي الترجمة الحرفية لنصوص القرآن والسنة! ولكنهم يطالبونهم بعد ذلك بالكف عن التخريب والقتل! فيا ترى هل سيستجيب الداعشي لدعوتك بترك العنف بعدما شهدت له بأن عنفه هذا هو الترجمة الحرفية للنصوص القرآنية والنبوية؟ هل سيستجيب لدعوتك له بأن يهجر الدين الذي يريد به الجنة؟ أتراه سيقبل منك ببساطة أن تأمره بأن يتخلى عما قلت له أن إنه الترجمة الحرفية للدين!؟ إنك إن أتيت الداعشي بكل حجة لن يقبلها منك بعدما أعطيته شهادة الضمان الفكري بأن ما يفعله من ضلال وغواية هو عين ما تنطق به النصوص! بل لكأنك تقول له: أيها الداعشي أنت معذور فنصوصنا هي من تقول ذلك! أيها القارئ الكريم: لن يستقيم الظل والعود أعوج، ولن يكون هناك تجديد حق للخطاب الديني في الوطن العربي والإسلامي مادام هناك من يبررون للدواعش فكرهم، وإنما التجديد الحق للخطاب الديني يكون ببيان خلل الفهم غير السوي للنص الديني، من خلال عرض النص الديني، ثم جمع بقية النصوص الأخرى التي تجتذب القضية، ثم النظر في دلالتها لغويا، ثم النظر في كيفية تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لها، ثم مقارنة ذلك التطبيق بتلك الأفعال الإجرامية اليوم، ليظهر للعالم كله أن هدي رسولنا ومعاني نصوصنا في واد، وداعش وأخواتها في واد آخر تماما.

 

لابد أن نضع نصب أعيننا أن الوحي الشريف-قرآن وسنة- معصوم لا خلل فيه، وإنما الخلل في العقل الذي قد يتناول النصوص بهجوم لا عن دراسة ولا عن تدبر وإنما بطريق الاجتزاء والاقتطاع لتنفيذ مآرب سياسية أو التنفيس عن شهوات دموية تتلخص في الانتقام من المجتمع أو زعزعة استقراره وأمنه.

 

ولقد شاهدت اليوم خطاب السيد الرئيس، وكانت كلماته واضحة قاطعة في هذا الباب، فبين سيادته أن الخلل ليس في النصوص الدينية وإنما في طريقة الفهم لتلك النصوص، وتحدث عن المخربين المشوهين بأفعالهم لصورة الإسلام والمسلمين واصفا من فعل ذلك ذلك بأنه: "أخطأ الفهم وأساء التفسير وهجر الوسطية والاعتدال منحرفا عن تعاليم الشريعة السمحة ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة متجاوزا بذلك ما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه " لقد بين سيادته أن القران والسنة ليس فيهما أي إرهاب ولا يحثان على ذلك، وإنما الإرهاب يكون بسبب الفهم الخاطئ لنص صحيح، ولذا فإن واجبنا ليس إنكار النصوص الدينية ولا نفي السنة النبوية بل واجبنا على حد قول سيادته هو:" تصحيح المفاهيم الخاطئة وبيان حقيقة ديننا السمح وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل" إذن نحن أمام واقع واضح: أمام نصوص لا يمكن نفيها ولا إنكارها، ولكن يمكن تقويم فكر من فهمها على غير مرادها، ولن يكون ذلك أيها القارئ الكريم إلا بالرجوع لتراثنا الديني العريق لنستلهم منه كيف عالج الأئمة رضوان الله عليهم، وكيف فند السلف شبهات المارقين، فهدي سلفنا الصالح وتراثنا الإسلامي العظيم زاخر بحلول لكل تلك العقبات الفكرية.

 

وهنا أيضا استوقفتني تلك العبارة لسيادته التي قال فيها: " لابد أن نقتبس من تراثنا الثري ما ينفعنا في زمننا ويتلاءم مع متطلبات عصرنا" نعم.. فتراثنا ثري عميق يمتاز بالأصالة التي دوما تؤهله للمواكبة والمعاصرة.

 

وبعد هذه الكلمات فلم يعد هناك مجال لتلك الأبواق الكاسدة التي تدندن صباح مساء وتدق على الرؤوس في محاولات مكشوفة لتشويه التراث الإسلامي وإبراز النصوص الدينية بأنها موطن الإرهاب، وأننا لن نتقدم ولن ينتهي العالم من شر الدواعش وغيرهم ما دمنا لم ننسلخ من الاعتراف بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإنكار السنة النبوية- كما قال السيد الرئيس- إساءة، ولكن الإساءة الأكبر هي تحريف النصوص وحملها على غير محاملها السليمة.

 

أقول: لقد باتت هذه الدعوات مفضوحة، ولن يتمكن أصحابها من بث سمومهم ولا نشر هرائهم، فالمسلمون كلهم متمسكون بهدي نبيهم اتباعا لكلام ربهم في القران الذي أمرهم بطاعة نبيهم.

 

وهذا المنهج العلمي المنضبط الذي يقوم على التفرقة بين النص الذي هو ثابت والفكر في فهم النص الذي هو متغير، هذا المنهج وحده هو ما يمكن به فضح شبهات الدواعش وأضرابهم وبيان زيف أفكارهم، إذ النصوص المعصومة لم تنزل اليوم على المسلمين بل نزلت منذ خمسة عشر قرنا من الزمان وطبقها المسلمون جيلا عن جيل، فمن استحدث فهما يقود للشر ويسفك الدم ولم يعرفه المسلمون في صحيح تراثهم أمس، فلاشك أنه زيف ودجل وخداع، ولاشك أن من يفعل ذلك فليس مطبقا للنصوص، ولكنه مخرف يحاول أن يحمل النصوص جريرة اتباعه للهوى ورغبته المتعطشة لسفك الدماء، والله ورسوله بريئان من ذلك، والمسلمون برآء من ذلك، ولاشك كذلك أن من يقول للداعشي إنك تنفذ النصوص بحرفيتها فهو مشارك له في جرمه وحاث له على شره، فمشكلتنا اليوم ليست في النصوص ولكن على حد تعبير السيد الرئيس: "مشكلتنا في الفهم الخاطئ للنصوص" ومعالجة ذلك الفهم هو الدور الذي يقوم به الأزهر، ولكن كيف يقوم الأزهر بدوره في تفنيد تلك الأفكار المغلوطة وهناك من يشهدون لهؤلاء القتلة بأن أفعالهم هي عين ما تقتضيه النصوص!؟.

 

"فاعتبروا يا أولي الأبصار"