بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

علاء خليفة يكتب: قصف طهران ليس نصرًا لكم

بلدنا اليوم

في زمن تتغير فيه الولاءات وتُباع فيه القضايا بالمواقف الرخيصة، يصبح لزامًا علينا أن نعيد تصويب البوصلة نحو العدو الحقيقي، وأن نُذكِّر أنفسنا بحقيقةٍ حاول الإعلام المُوجَّه أن يطمسها؛ وهي أن عدونا واحد، وإن اختلفت الجبهات، وتعددت ميادين المواجهة.

لا نفهم، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم، كيف يهلل بعض أبناء هذه الأمة حين تقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مواقع في طهران، ولا كيف يتفاخرون بعدوان غاشم على دولة تُصنَّف - شاء من شاء وأبى من أبى - ضمن محور المقاومة لهذا الكيان الصهيوني.

كيف ننسى أن من دكّ غزة بالصواريخ، وسحق أهلها تحت الركام، وقتل أطفالها في أحضان أمهاتهم، هو نفسه الذي يقصف اليوم إيران؟؛ أليست الأيادي التي تلونت بدماء الفلسطينيين هي ذاتها التي تضرب الآن في قلب طهران؟، فبأي منطق يُحتفى بهذا العدوان؟، وبأي عقل يُبرَّر القصف، ويُمنح الغاصب صكوك البراءة؟

العدو الصهيوني لا يفرق بين سني وشيعي، ولا بين عربي وفارسي، فهو لا يرى فينا سوى خصوم محتملين يجب إضعافهم أو تصفيتهم، هو لا يستهدف إيران لأنها شيعية، بل لأنها ترفض الانبطاح، وتدعم مقاومة وجوده، هو لم يقتل في غزة لأنها فلسطينية، بل لأنها تجرأت على الوقوف في وجه مشروعه الاستيطاني العنصري.

وإن كان هناك من يظن أن هذا العدو يضرب اليوم "حُبًّا في العرب" أو "دفاعًا عن الخليج"، فهو واهم، فإسرائيل لا تُشنُّ حروبًا لصالح أحد، بل تُشعل المنطقة نارًا لتخرج منها القوة الوحيدة المتماسكة، ولكي تُمرر مشاريعها الاستيطانية والتطبيعية، وتفرض وجودها بالقوة والهيمنة.

ما يُفاقم الكارثة اليوم، هو موقف العديد من الدول العربية والإسلامية، التي باتت تُطبِّع العلاقات مع الكيان الصهيوني علنًا، وتُفرش له السجاد الأحمر، وتفتح له أبواب العواصم وقلوب القادة.

من الرياض إلى أبو ظبي، ومن الرباط إلى الخرطوم، نشهد تسارعًا مؤلمًا في خطوات التطبيع، وكأن القضية الفلسطينية قد انتهت، وكأن دماء الشهداء قد جفَّت، وكأن الأقصى لم يُدنَّس، ولم تُسفك الأرواح من أجل الدفاع عنه.

هذا التخاذل العربي الرسمي لا يعبّر عن ضمير الشعوب، بل يعكس خضوعًا سياسيًا واستسلامًا استراتيجيًا لإملاءات الغرب وصفقات السلام الزائفة.

لم تمر الأمة الإسلامية والعربية في تاريخها الحديث بحالة من التفكك والتمزق كما تمر به الآن، فبدلًا من أن توحدنا القضايا الكبرى، فرّقتنا الانقسامات المذهبية والطائفية، وباتت بعض العواصم تنظر إلى الأخرى كعدو، وتستجدي رضا الصهاينة والأمريكان.

في ظل هذا الوضع المتأزم، لم تعد القضية الفلسطينية أولوية عند كثيرين، ولم يعد صوت المقاومة يُسمع في ضجيج الصفقات ومهرجانات التطبيع، ولم يعد هناك إجماع على من هو العدو ومن هو الحليف.

المرحلة التي نمر بها تحتاج إلى يقظة ضمير وعودة للثوابت، لا إلى مزيد من الشتات، تحتاج إلى توحيد الجبهة لا إلى تشتيت الصفوف، تحتاج إلى أن نُدرك أن من يشمت اليوم في الضحية، سيُصبح ضحية الغد، وأن من يصفق للعدوان على غيره، سيبكي إن جاءه الدور.

التكاتف الآن ليس مجرد خيار، بل واجب شرعي وقومي وأخلاقي، فإما أن نتماسك كأمة واحدة في وجه مشروع صهيوني توسعي لا يعترف إلا بالقوة، وإما أن نموت فرادى، وتُدفن قضايانا في ركام العواصم العربية، الواحدة تلو الأخرى.

كفّوا عن التهليل للعدوان، ولا تكونوا أبواقًا للعدو، لا ترددوا رواياته ولا تبرروا جرائمه، قولوا كلمة الحق: إن عدونا واحد، وإن من يواجهه اليوم في طهران، قد واجهه بالأمس في غزة، وسيواجهه غدًا في بيروت أو دمشق أو حتى القاهرة.

عودوا إلى بوصلة الأمة، ولا تنسوا أن القضية لا تزال فلسطين، وأن الأقصى لا يزال أسيرًا، وأن العدو لا يزال يحتل، ويقصف، ويتمدد، فمن لا يرى العدو واضحًا أمامه سيصحو يومًا وهو يدفن أبناءه بيديه.

تم نسخ الرابط