" رحلة في مدن كفر الشيخ" سيدي سالم.. مدينة على ضفاف الطبيعة
" رحلة في مدن كفر الشيخ" سيدي سالم.. مدينة على ضفاف الطبيعة

عزيزي القارىء أهلًا بك من جديد في ثاني رحلاتنا داخل محافظة كفر الشيخ، سنذهب سويًا هذه المرة إلى مركز ومدينة سيدي سالم.
حين تدخل سيدي سالم، لا تدخل مدينة عادية، تدخل مكانًا يعيش على جوه الخاص ، يتنقل بين القديم والجديد، ويحتفظ بطبعه رغم الزحام والمتغيرات.
قبل أن آخذكم معي إلى شوارعها ومعالمها، فلنتعرّف عليها قليلًا، مركز سيدي سالم هو أحد أهم مراكز محافظة كفر الشيخ، ويقع في قلب المحافظة وشمالها معًا، يحدّه من الشمال البحر الأبيض المتوسط وبحيرة البرلس، ومن الجنوب مركزي كفر الشيخ ودسوق، ومن الشرق مركزي الرياض والبرلس، ومن الغرب فوة ومطوبس ودسوق.

تبلغ مساحته نحو 682.37 كيلومترًا مربعًا، ويضم مدينة واحدة "سيدي سالم العاصمة"، و16 وحدة محلية قروية، يتبعها 304 تجمعات قروية.
ويتجاوز عدد سكان المركز 370 ألف نسمة، يعتمدون على الزراعة، وصيد الأسماك، وتجارة المواشي، وبعض الحرف اليدوية، إلى جانب تجارة الأسماك المملحة والمدخنة، والتي تُعد سيدي سالم من أبرز مراكزها في مصر.
شارع ٢٣ يوليو الذي يشق المدينة
من أول ما تطأ قدماك الشارع الرئيسي شارع 23 يوليو تفهم أن هذه المدينة ليست ساكنة، هو الشارع الذي يشق سيدي سالم من الجنوب إلى الشمال، شارع طويل تتناثر على جانبيه المحال والمقاهي والصيدليات والبنوك، وتتحرك فيه الحياة من الفجر وحتى ما بعد منتصف الليل.


كل من يسكن المدينة أو يتردد عليها يعرف هذا الشارع جيدًا، ليس فقط لأنه الطريق الأهم، بل لأنه أيضًا نقطة البداية لكل حركة فيها، ومنه تنبثق الطرق نحو الموقف، والسوق، والمناطق السكنية، وبه أبرز معالم المدينة " المسجد الكيير" والذي يعد تحفة معمارية في قلب المدينة.
التفتيش موطن المدارس ورمز التجارة
لكن شارع 23 يوليو ليس وحده الذي يأخذ الصورة كاملة، هناك أيضًا المنطقة الأهم تجاريًا وتعليميًا في سيدي سالم هي التفتيش.
هنا تتمركز مراكز الدروس الخصوصية، والمدارس بمراحلها المختلفة وتنوع تخصصاتها، وتنتشر المكتبات، وتتحوّل الشوارع بعد الظهر إلى ممرات لطلاب وطالبات يبحثون عن مستقبلهم وسط زحام اليوم.
وفي التفتيش أيضًا تتركز التجارة الحقيقية للمدينة، من محلات الملابس إلى محلات الأدوات الكهربائية، وتبقى الحركة هنا أكثر كثافة كل مساء، ففي النهار تزدحم بالطلاب الباحثين عن المعرفة، وفي المساء تزدحم بالأسر الباحثين عن متطلباتهم.
بين بحيرة البرلس ومزارع الأسماك.. يجتمع جمال الطبيعة بالتجارة
ما لا يعرفه كثيرون أن سيدي سالم تطل من الشمال على جزء أصيل من بحيرة البرلس، البحيرة التي تمنح المنطقة طابعًا خاصًا ومنظرًا طبيعيًا نادرًا.

في قرية الشخلوبة، تكتمل الصورة الجمالية، بيوت على سطح الماء، بما يعرف بـ" جزيرة الشخلوبة" قوارب تسرح في الأفق، وصيادون يعودون من رحلات الفجر بأسماك لا تزال طازجة حتى قبل أن تُعرض في السوق.
وفي دمرو، تنتشر المزارع السمكية التي تُعد من الأهم في المحافظة، ما يجعل المدينة كلها مرتبطة بمنتجات البحر والبحيرة، من الصيد إلى التصنيع.
شارع سوق السمك.. اسماك طازجة وأصناف متعددة
ولأن المركز يعيش على وقع البحر، فقد خصصت المدينة لنفسها شارعًا كاملاً يُعرف بين الناس بـسوق السمك، حيث تتراص المحلات التي تعرض الأسماك الطازجة بأنواعها والباعة المتجولين.

منذ الصباح الباكر، يبدأ تجار الأسماك في فرز البضاعة وتنظيفها، ويأتي الزبائن من المدينة والقرى المجاورة لشراء "البوري والبلطي والقراميط والبياض، والبليمي، والجمبري، وغيرهم "، وأحيانًا أنواع أقل شهرة لكنها مطلوبة لعشاق الطعم المميز.
الفسيخ.. صنعة تتوارثها العائلات
الفسيخ في سيدي سالم ليس مجرد طعام موسمي، هو حرفة راسخة، تتوارثها الأسر جيلًا بعد جيل.


تنتشر محلات تصنيع الفسيخ في قرى مثل "دمرو" و"الشخلوبة" و" سيدي سالم العاصمة"، هناك يتم تجهيز البوري وفق معايير دقيقة وأساليب يعرفها أهل الحرفة جيدًا.

وتشتهر المدينة أيضًا بـالأسماك المدخنة، التي تُعد محليًا وتُباع داخل وخارج المحافظة، وتُعد سيدي سالم من أفضل المدن في مصر في هذا المجال، وتخرج منها عربيات محملة يوميًا لمحافظات مصر.
سوق السبت.. نبض الفلاح بسيدي سالم
كل يوم سبت، وعلى الطريق المؤدي إلى سد خميس، يقام واحد من أكبر أسواق المواشي في محافظة كفر الشيخ.


سوق لا يعرف التوقف، يأتيه التجار من جميع مراكز المحافظة، بل ومن محافظات مجاورة، تُباع فيه الأبقار والجاموس والأغنام، وتُعقد فيه صفقات كبيرة بين الفلاحين والتجار، ويشكّل هذا السوق ركيزة أساسية للحركة الزراعية والتجارية في المدينة.
المستشفى المركزي.. حديث المدينة
وسط كل ذلك، يعيش أهالي سيدي سالم حالة من القلق بعد قرار إزالة مستشفى سيدي سالم المركزي، وهو المرفق الوحيد الذي يخدم المدينة بأكملها،

القرار الذي قضي بنقل المستشفى إلى قرية بعيدة عن المركز، ما أثار غضب السكان، خاصة مع بعد المسافة، وغياب وسائل النقل المريحة، ليضطر المواطنون دخول المستشفيات الخاصة التي تتطلب أموالًا طائلة لا يقدر على مصروفاتها الرجل البسيط العادي، وإذا بحث عن المستشفى فإنه تم نقلها في قرية تبعد عن المدينة ما يقرب من 15 كيلو مترًا لأسباب يتسائلون عنها ولا يجدون لها جوابًا.
سيدي سالم مدينة مزدحمة لكن لها طابع خاص في نفوس أهلها
ربما ما يزعج السكان في سيدي سالم هو الازدحام المزمن، خصوصًا في قلب المدينة.
لكن هذا الازدحام لا يُخفي روحًا يعرفها كل من عاش هنا، الناس بسيطة، العلاقات طيبة، وكل شارع يحمل وجهًا مألوفًا، وصوتًا من الماضي، وكل العائلات دون مبالغة بينهما ترابط أسري أو تواصل معرفي.
في المحطة القادمة، نكمل رحلتنا في مدن كفر الشيخ، ونتوقف عند مدينة جديدة من مدنها تُخبئ في أزقتها ما يستحق أن نراه سويًا.